سمير عطاالله


أكتب عن الرئيس السابق زين العابدين بن علي بمشاعر شخصية، لأنه كتب إلي مرتين، بخط يده، على بطاقته المذهبة، يدعوني إلى زيارة تونس. وفي المرتين اعتذرت وفي قلبي مرارة. فمن أنا لكي أكابر على دعوة من رئيس دولة مثل تونس. لكن على الرغم من المرارة، لم يكن في إمكاني القبول. فأنا مدعو كصحافي، وصاحب الدعوة يتوقع مني، طبعا، أن أكتب، وبالتأكيد أن أكتب ما يرضيه. ولم أكن قادرا على ذلك. ليت بورقيبة دعاني، لكنت كتبت بكل ما لدي من مشاعر. لكنني كنت أعرف أنني في مأزق: إذا لبيت الدعوة ولم أكتب شيئا، خالفت أصول الضيافة، وإذا انتقدت صاحبها، خرقت كل الأصول. لذا وفي المرتين، تجنبت الإجابة، وأنا أشعر بحرج شديد ومرارة.
بسبب الدعوتين الشخصيتين والبطاقتين المذهبتين، أقر بأنني تجنبت الكتابة عن تونس بن علي. وعندما ذهبت إلى تونس لحضور القمة قبل سنوات، اخترت أن أكتب عن الجادات والشوارع التي تركها بورقيبة. وعن القمة نفسها. وعن أداء عمرو موسى آنذاك، وهو يتهرب من أسئلة الصحافيين أو يهربها بمهارة كما هرب القمة نفسها.
مؤسف ما حدث للرئيس التونسي السابق. والأكثر أسفا هو ما حدث لتونس. جاء لولاية وقرر البقاء مدى الحياة.
جاء بن علي على أساس أن يحافظ على إرث بورقيبة الاستقلالي، ويعدل في نهجه الفردي. فقد بلغت تونس سن الرشد ولم تعد تلك الفتاة التي كان بورقيبة يبلغها، كل يوم، ماذا عليها أن تفعل، وما هي آداب المائدة؟
كان بورقيبة يخطب كل يوم وصار وريثه صامتا كل يوم. وأراد الصمت للجميع أيضا. وكانت صحف تونس، حيث أكبر نسبة من المثقفين في العالم العربي، مثل صحف بلغاريا في الخمسينات: تدشين المشاريع الزراعية ومؤتمرات الشبيبة في الحزب الحاكم. وحاول بن علي إقامة نظام مغلق، بابه الوحيد المفتوح هو الاقتصاد، لكن هذا الباب لم يكن فيه ما يكفي الجميع. وإذا كان بورقيبة قد بالغ في العلاقات مع الخارج، فإن خلفه قد بالغ في الانعزال، حتى بدت تونس وكأنها خرجت من العالم العربي، إلا من كونها مقرا لمنظمة التحرير منذ 1982.
هذه لحظة المستقبل في تونس، فما مضى قد صار في التاريخ. ولا فائدة من تبديد المزيد من الزمن في الثأر والانتقام. إنها بلد مليء بالطاقات المدنية والفكرية والسياسية القادرة على ضمان الاستقرار دون الانزلاق نحو جحيم الفوضى والفجع السياسي