إبراهيم الهدبان

أخيراً انفجر الشعب التونسي كالبركان الذي لا تقدر على ردع حممه ولهيبه المئات والآلاف من منتسبي المخابرات وقوات الأمن، laquo;أو بالأحرى قوات الرعبraquo;، التي ما برحت تذيق الشعب التونسي صنوف الرعب والعذاب بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي حيث اعتقلت أعضاء laquo;حركة النهضة الإسلاميةraquo; والمعارضين، وعملت على تعذيبهم وقتلهم والتضييق على زوجاتهم وأسرهم، فمنعتهم من التعليم والوظائف العامة. لكن الشعب التونسي ورغم السلطوية والديكتاتورية إلا أنه لم يتحرك حيث استخدمت السلطة ذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي، ولم يكن الشعب موحداًَ حول قيادة واحدة معارضة. إلا أن ما تشهده تونس اليوم هو ثورة الجياع والعاطلين عن العمل الذين عجزوا عن الحصول على مصدر للرزق لهم ولأسرهم، فتساوى لديهم الموت والحياة ولم يعودوا خائفين من رصاص قوات الخوف والرعب. إن ما حصل في تونس لهو شبيه بما حصل في الجزائر في عام 1988 حيث ثار الناس على الحزب الحاكم وهو laquo;جبهة التحريرraquo;، والذي انتشر الفساد في عهده ما دفع الناس للمظاهرات في ما عرف باسم laquo;مظاهرات الجوع أو الخبزraquo;، هذه المظاهرات التي أرغمت الحكومة على نقل البلاد إلى التعددية الحزبية والديموقراطية. في إندونيسيا التي حكمها الرئيس السابق laquo;سوهارتوraquo; منذ عام 1967 إلى عام 1998 بعد أن قاد الجيش في حملة ضد laquo;الحزب الشيوعيraquo;، قتل فيها نحو نصف المليون إلى مليون شخص، خرج الناس في مظاهرات يطالبون بتحسين أوضاعهم الاقتصادية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أصابت آسيا في عام 1997. الجوع تغلب على الخوف في إندونيسيا وفي الجزائر وفي تونس وفي كل مكان، طالما أن الشعب يدرك أن فساد الحكام والمسؤولين هو سبب معاناتهم وليس نقص الموارد. الشعب لا يمانع في الصبر والتحمل إذا وجد أن المعاناة قد شملت الجميع حكاماً ومحكومين، لكن أن يشارك الحكام الشعوب في أرزاقهم وينافسوهم عليها، فهو شيء محتمل مادام هناك وفر اقتصادي لكن الناس لا تسكت إذا عانت من الجوع بينما يتنعم الحاكم في مقدرات وخيرات البلاد. على الحكام العرب أن يدركوا خطورة الأيام التي نعيشها فالجوع والفقر هما الشرارة، التي تحدث النار والتي تتسبب في عدم الاستقرار الذي يغرق البلاد في المزيد من العوز والفقر يتبع ذلك تدخل خارجي يدفع باتجاه طرد الحاكم من منصبه وتقسيم البلاد، بعد أن تكون الخلافات قد أخذت الطابع القبلي، أو الطائفي، أو الجهوي المناطقي، أو العرقي، ما يتبعه تشكل دويلات تخضع لتبعية الدول الغربية الكبرى المانحة للمساعدات والتي تصبح بسبب حاجتها مسلوبة السيادة.
على الحكام في بلادنا التصالح مع شعوبهم وتطبيق مبدأ اليد النظيفة لأن الحاكم والمسؤول مهما سرق من مقدرات بلاده فإن الشعب سيطالبه بها بعد سقوطه، وسوف تساعده الدول الأخرى والمنظمات الدولية في مصادرة أموال الحاكم وأملاكه. في النهاية الشعب هو المرجعية ومخافة الله في المحكومين ونظافة اليد هي ما يعطي الشرعية للحاكم وليست قوات الرعب والخوف والتعذيب.