راجح الخوري

قبل ان يبدأ الرئيس ميشال سليمان مشاوراته النيابية الملزمة يوم الاثنين من الاسبوع المقبل وتمهيدا quot;لتشكيل حكومة جديدة، يكون قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرنسين، قد مضى بعيدا في قراءة القرار الاتهامي الذي قيل ان المحقق دانيال بلمار سلمه قبل ساعات.
لا يمكن الحديث طبعا عن سباق بين عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، التي ستتأخر تركيبتها وعجينتها كثيرا، وعمل المحكمة الدولية، التي ستنطلق بمجرد قبول فرنسين بمحتوى القرار المذكور. لا بل هناك من يجد ان من الملائم اكثر وربما من الاقل احراجا ان يتم اعلان القرار الاتهامي في فترة الفراغ الحكومي، وخصوصا ان ذلك لن يؤثر كثيرا على اعمال المحكمة، التي سبق لها ان اخذت في الاعتبار فرضية عدم قدرة الدولة اللبنانية، على تنفيذ ما تطلبه منها المحكمة، فأقرت مبدأ المحاكمة الغيابية بعد العودة وابلاغ مجلس الامن تلكؤ السلطات في لبنان.

❑ ❑ ❑

في المقابل يمكن الحديث بالتأكيد عن سباق بدأ بين المحكمة الدولية، الآخذة في التحرك اخيرا على خلفية تسلم فرنسين القرار الاتهامي، وما يسمى quot;مجموعة الاتصالquot; الدولية، التي اقترحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وينشط تظهيرها وتحريكها عبر اتصالات، قيل انها شملت حتى الآن سبع عواصم هي: الرياض ودمشق وانقرة والدوحة وواشنطن والقاهرة وباريس طبعا.
ما هي وظيفة quot;مجموعة الاتصالquot; المقترحة؟
ليس واضحا بالتحديد حتى الآن ما هي وظيفتها. لكن من المحتمل ان المساعي الفرنسية بالتعاون مع الدول المذكورة، تهدف الى تأمين هبوط هادئ للقرار الاتهامي فوق الساحة اللبنانية، او بالاحرى تدويل الازمة بهدف خلق شبكة امان تحول دون تفجير الوضع في لبنان بما قد يفجر ألغاما تغلي في المنطقة العربية كلها.
يمكن بالطبع الحديث عن توسيع رقعة شبكة الامان المذكورة من خلال قراءة هادئة في تصريحات رجب طيب اردوغان، الذي تعمد على هامش القمة الثلاثية التي جمعته امس في دمشق مع الرئيس بشار الاسد وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ان يقول انه يوسع حلقة مشاوراته بشأن خلق ضوابط لحفظ الامن في لبنان بحيث تشمل هذه المشاورات السعودية وايران.
وهكذا يمكن المراقب ان يرى بالعين المجردة تنسيقا في اتجاه واحد، على المستويات العربية والاقليمية والدولية، لمنع انفجار الوضع في لبنان. وعندما تكون كل هذه العواصم من واشنطن الى باريس الى انقرة وطهران والرياض ودمشق والدوحة منكبة على هذا الموضوع فان ذلك يعني بالضرورة ان مجلس الامن، الذي شكل المحكمة الدولية بموجب الفصل السابع، لن يغض الطرف عن المحاولات الناشطة للبحث عن شبكة امان توفر هبوطا هادئا للقرار الاتهامي وبدء اعمال المحكمة الدولية.
ومن خلال كل ما يجري تساعد القراءة في خطوط السياسات الكبرى الدولية والاقليمية على القول، انه اذا كانت المحكمة الدولية قد شكلت من اجل لبنان وكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فان مجلس الامن الذي شكلها والقوى الكبرى لن تترك او تسمح بان تتحول اعمال المحكمة الآن منصة لافتعال اضطرابات ومشاكل من شأنها ان تقتل لبنان ndash; الذي قتل الحريري على نية قتله كوطن!

❑ ❑ ❑

هل يعني كل هذا امكان العودة الى المسعى السوري ndash; السعودي، الذي اعلن الرئيس سعد الحريري انه قبله ونفذ بنودا فيه، بينما الفريق الآخر لم ينفذ شيئا، رغم انه كان مطلوبا منه ان يبدأ التنفيذ. وهو الامر الذي عاد وأكده النائب وليد جنبلاط، عندما قال اول من امس ان الحريري وافق على المسعى المذكورquot;؟
ليس واضحا حتى الآن اذا كانت اعمال quot;مجموعة الاتصالquot; الموسعة ستعود الى هذا المسعى. لكن الواضح تماما ان هناك حركة دولية اقليمية ناشطة ومجموعة هدفها تأمين نزول هادئ للقرار الاتهامي على الساحة اللبنانية؟
هل تنجح المساعي في هذا؟
من المبكر الحديث عن هذا الموضوع. لكن من الواضح تماما ان لا مفر من سعد الحريري رئيسا للحكومة، وان الذين شقوا صدورهم في توجيه الاتهامات اليه من فوق السطوح ليسوا اكثر من ظاهرة صوتية لا مكان لها الا حيث يتم توظيفها في السياسة البلدية!


مسؤولون من كاوتشوك؟

مرة اخرى الام الحزينة زينة القصار قاسم، تكتب بدموعها والألم، ليس لوعة على ولدها فحسب وهو زهرة الشباب الندية طلال، الذي استشهد قبل اسابيع تحت quot;عجلاتquot; مركبة الجهل والحماقة والعمى والتوحش، التي هي الدولة الماجنة في اهمالها والغياب، بينما كان ذاهبا الى المدرسة، بل تكتب ايضا وبلوعتها ومرارة قلبها الجريح، على زهرة ندية ثانية سقطت، حيث سقط طلال تماما. وتحت العجلات الوحشية اياها، وهو محمد سعد الدين دمشقية، الذي كان ذاهبا الى المدرسة فعرّج الى حيث طلال في الجنة او زهرة مرارة وقهر ابديين في آنية الدمع والقلب.
قرأنا امس زينة الام الحزينة في quot;النهارquot;. كان لنا دمع ووجع على فلذات القلوب وباختناق كلي نقول معها:
عذرا يا ولدي، عذرا يا كل الزنبق المسحوق... عذرا هذا هو بلدي المجنون!
ولا من يسمع او يدمع او يحزن ربما لاننا بشر من كاوتشوك وقلوب من بنزين ومسؤولون كالعجلات تقتل وتمضي... وسامحونا اذا صرخنا!