مبارك محمد الهاجري


متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، مقولة خالدة، قالها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قبل 14 قرناً من الزمان، لا حياة للمرء إن لم تكن هناك حرية، ولا كرامة لأمة ارتهنت مصيرها بيد فرد، يتحكم بها متى، وكيفما أراد، والتاريخ مليء بزعامات ابتليت بهم الأمم، وكانت نهاية معظمهم، نهاية مستحقة، نهاية ذاقها من أذاق شعبه القتل، والبؤس، والتشريد، فكم من ديكتاتور ذهب بين ليلة وضحاها طريداً، لا يملك قوت يومه، يستجدي النجدة، والحماية، لكيلا يقتل أو يعتقل!
أين ذهب موسوليني ديكتاتور إيطاليا أوائل القرن الماضي، الذي أدخل بلاده في حروب متوالية لم تهدأ إلا بقتله وسحله، وتعليق جثته في الشارع!
ما زالت صورة تشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا، ماثلة في الذاكرة حين عرض لمحاكمة عاجلة، وقتل بعدها، وكان إعلان مقتله عيداً تنفس من خلالها الرومانيون الصعداء، بعدما أذاقهم العذاب الهون، ومارس معهم أبشع أنواع التعذيب، فنال جزاءه جراء ما اقترفت يداه الملطختان بدماء شعبه!
لن يعي بعض الزعماء العرب، أحداث تونس إلا بعد أن يسمعوا جلبة في بلادهم، أو هزة تضعضع كراسيهم التي تخفي وراءها صوراً شتى من جنون العظمة، والتجبر، وتكميم الأفواه، واحتكار ثروات البلاد بأيديهم!
ما حصل في تونس سيحصل في بلادك أيها الزعيم الأوحد، يا صاحب السيادة والفخامة، يا من احتكرت مصير البلاد، والعباد بيديك غير الكريمتين، وأعلنت حكمك أبدياً، مصلتاً على الرقاب، دونما خوف من رقيب أو حسيب!
الديموقراطية، وحرية الرأي الآخر، صماما أمان لكل حاكم ينشد الاستقرار في بلاده، فبهما يستطيع سماع الآراء المتفقة مع سياساته، وغير المتفقة، بكل وضوح وشفافية، فها هو البيت الأبيض الأميركي، يستمع زعيمه لكل الآراء، ويقرأ الصحف الصباحية، والمسائية الصادرة، ويتتبع ما تخطه أنامل كتاب المقالات، والرأي، وهي عادة يقوم بها القادة الذين تتمتع بلدانهم بديموقراطيات أصيلة، وغير مزيفة!
مصيبة وطننا العربي الكبير، هي تجاهل بعض زعاماته للرأي الآخر، واحتقاره، هذا في الحد الأدنى، وأما الحد الأعلى فيصل إلى تصفية صاحب الرأي الآخر، ولو كان على حق مئة في المئة، وهذا ما جعل تلك البلدان خالية من أهلها إلا من فخامة الزعيم الأوحد وحاشيته التي سيطرت على الأخضر واليابس!
*
حاول البعض هنا، تشبيه الأجواء عندنا، بأحداث تونس، وهذا تشبيه فيه ظلم كبير، فالفارق أكبر من أي مقارنة، فالكويت بلد ديموقراطي منذ خمسين عاماً، الحكم فيه للأمة، ولا مجال لقياسها بأي دولة عربية كانت، نقولها بكل فخر ودون غرور، الكويت ستظل منارة، وشعلة ديموقراطية تضيء سماء الشرق الأوسط بأكمله!