وليد أبي مرشد


علمنا التاريخ أن مشكلات لبنان أشبه بما يقال عن مرض الفالج.. لا تعالج.

أما لماذا؟.. فلأن لبنان، كما أفرزه اتفاق سايكس - بيكو، بدعة جغرافية مرهونة بمعضلة ديموغرافية... مما يعني أن أي علاج جذري للمعضلة، أي النظام السياسي اللبناني، يرتبط ارتباطا عضويا بعلاج البدعة، أي الكيان الجغرافي... الأمر المستحيل، بعد أن يتحول هذا الكيان ndash; البدعة، بعد اتفاق الطائف، إلى laquo;وطن نهائيraquo; لكل اللبنانيين وحكم مبرم عليهم غير قابل للاستئناف.

لو حُكّم المنطق الجغرافي - السياسي، لا الأطماع الاستعمارية الفرنسية - البريطانية، في خطط تصفية تركة الإمبراطورية العثمانية بعد عام 1918، لما كان لـlaquo;لبنان الكبيرraquo; من لزوم.

أقصى ما كان يفترضه المنطق الجغرافي - السياسي آنذاك، هو المحافظة على الاستقلال الذاتي لتلك الرقعة الجبلية الصغيرة، المعروفة باسم جبل لبنان، وإبقاء ما سمي بـlaquo;الأقضية الأربعةraquo; جزءا لا يتجزأ من الكيان السوري.. وهما سوريا لا لبنانيا.

اتفاق جورج بيكو ومارك سايكس على تقسيم laquo;بلاد الشامraquo;، وتحديدا على تفصيل حدود لبنان على مقاس أكثريته المسيحية آنذاك، ابتدع للبنان نظاما هجينا فشل، حتى اليوم، في إيجاد صيغة تعايش مقبولة بين قاعدتيه المتناقضتين أصلا: القاعدة السياسية والقاعدة الطائفية.

وإذا كان الجنرال هنري غورو أنجز مهمة سايكس - بيكو بإعلانه، عام 1920، قيام دولة لبنان الكبير، كيانا جغرافيا مستحدثا يضمن هيمنة الأكثرية المسيحية على مقدراته، فقد رهن مصيره، في الوقت نفسه، بالتحولات الديموغرافية لطوائفه بحكم نظام المحاصصة الطائفية التي أرسي عليها.

وهكذا، بعد أن عانى لبنان منذ الاستقلال، ولتاريخ تفجر الحرب الأهلية عام 1975 من شبه تفرد laquo;المارونية السياسيةraquo; بمقدراته، جاء اتفاق الطائف - بعد 15 سنة من المعارك الدموية ومسلسل الذبح على الهوية - لا ليلغي القاعدة الطائفية للنظام، بل ليدخل عليها تصحيحا تجميليا استبدل الهيمنة المسيحية بنظام laquo;مناصفةraquo; بين المسيحيين والمسلمين.

هذا لا يعني التقليل من الأهمية التاريخية لاتفاق الطائف، فقد نجح في وضع حد للحرب الأهلية، وصحح خلل المعادلة الطائفية الداخلية دون الإطاحة laquo;بالوجه المسيحيraquo; للبنان... ولكنه بقي، في نهاية المطاف، عملية laquo;داوني بالتي كانت هي الداءraquo;، أي أنه استبدل معادلة طائفية بمعادلة طائفية أخرى زادها تعقيدا التطبيق الاستنسابي لاتفاق الطائف.

مع ذلك، كان يفترض بنظام laquo;المناصفةraquo; أن يحتوي، ولو إلى حين، الحساسيات الطائفية لو لم تفرز المناصفة، داخل الشطر الإسلامي من معادلتها، laquo;كوندومنيومraquo; سنيا - شيعيا قد يكون حصيلة لتعادل الحجم العددي للطائفتين، وتفاوت حجم دورهما السياسي.

إذا جازت تسمية الأمور بأسمائها، يصح القول إن الظاهرة الأبرز في laquo;المحليات السياسية الداخليةraquo; لما بعد الطائف، كانت ذلك السعي المتواصل لترجيح هذه الكفة على تلك في سباق فريقي laquo;الكوندومنيومraquo; الإسلامي على السلطة ومغانمها، وهو سباق زاده حدة دخول laquo;مشجعينraquo; إقليميين ودوليين عليه.

عمليا، ما اعتبر انهيارا لحكومة سعد الحريري هو في الواقع سقوط مريع للكوندومنيوم السني - الشيعي في سعيه لوراثة هيمنة المارونية السياسية على الدولة.

وإذا كان الحل الأمثل لصراع laquo;العائلات الروحيةraquo; في لبنان يبقي، على المدى الطويل، علمنة النظام وإلغاء القاعدة الطائفية - العددية لتوزيع المناصب، فإن تحويل النظام الطائفي من نظام laquo;محاصصةraquo; إلى نظام laquo;مشاركةraquo; هو الخطوة المرحلية الضرورية لتجاوز صراعات laquo;الكوندومنيومraquo; السني ndash; الشيعي، وفي الوقت نفسه استيعاب الحساسيات المذهبية الأخرى... وذلك يتطلب تأمين تمثيل أفضل للأقليات المذهبية في الحكم، وفق نظام مداورة في تبوؤ المناصب الوزارية السيادية يحول دون استئثار طوائف معينة بوزارات ومناصب حساسة وتحويلها إلى قلاع طائفية مستعصية على الآخرين.