سمير عطا الله

أمضيت سنوات عدة أكتب عن الدكتور عبد اللطيف الحمد، رئيس laquo;الصندوق الكويتي للتنميةraquo;. قبل أن يصدف وألتقيه شخصيا. وكنت أبني ما كتبته استنادا إلى ما عرفت عنه من أصدقاء مشتركين، يتمتعون بثقة كل من عرفهم. ومنذ فترة نادى علي صوت في ردهة فندق البريستول، في بيروت، قائلا: laquo;ألم يحن الوقت لأن تتعرف وجاهيا إلى رجل تكتب عنه كل هذا الوقت؟raquo;.

صدف يومها أنني كنت أقرأ في كتاب الدكتور جلال أمين عن تجربة قصيرة عمل خلالها في الكويت مع الدكتور الحمد. وسألته إن كان اطلع على الكتاب، فقال: laquo;أعاننا الله على جلال أمين واعتراضاتهraquo;. أعجبتني دقة التوصيف: اعتراضات! فالدكتور أمين ليس من نوع الثوريين الذين يدمرون كل شيء من أجل المجازفة في بناء شيء غير مضمون فوق الرخام. ولكنه laquo;معترضraquo; في طبيعته، إذا تناول مسألة، أو فردا، أو مسارا، قبل الكثير واعترض على القليل. أو العكس. والويل لمن يقع بين يديه في الحالة الثانية.

وكان يفترض في جلال أمين، أن يكون خبيرا اقتصاديا وأستاذا جامعيا، يقيم سياسات النقد وتبعات الدين العام، لكنه أمضى معظم العمر ناقدا أدبيا وفنيا وثقافيا. وطبعا معترضا سياسيا لا يكل ولا يمل. وفي laquo;شخصيات لها تاريخraquo;، يتمشى في قاعدة الأعمدة المعاصرة، ويوزع، بأدب جم وحدّة منضبطة، تساؤلاته على من فيها من وجهاء وكتاب وفنانين. ولا رابط أو قاسما مشتركا بين أشخاصه، سوى الميزان الذي يحمله.

إما موضع النقد أو موضع المجد، فيراوحان بين محمد عبد الوهاب وعثمان أحمد عثمان، أو بين لطفي الخولي ويوسف شاهين. ويميز هذه المطالعات في مسار الناس وحياتهم أمران؛ الأول: المعرفة الواسعة. والثاني: خفة الظل، التي يبدو أنها تنبت وتنمو وتزدهر، فقط في منطقة معينة من حوض النيل، على مسيرته الطويلة. ولا شك أن هذه المنطقة تشمل السودان حيث تصدر صحيفة اختارت لنفسها اسم laquo;الراكوبةraquo;. ولست أعرف الحكمة من الاسم، لكنني أعرف أنها تضم بعض أظرف الكتاب.

لا يترك جلال أمين أحدا، كما قلنا. يلاحق لطفي الخولي إلى laquo;حيث يصطاد في أعالي البحارraquo;. ويعاتب محمد عبد الوهاب على كثرة الاقتباس ومد يد خفيفة إلى نوتات الغير. ويحاسب عثمان أحمد عثمان على أرقام الموازنات والشركات. وأنت أيضا يا يوسف شاهين، مثلك مثل عبد الوهاب، تقتبس وعندك عقد غربية. ومسكين كل من لم يرُق لمقاييس الدكتور، حيا كان أو مستغابا.