حسن مصطفى الموسوي


نحن إذ نحيي الشعب التونسي على ثورته غير المسبوقة في العالم العربي، فإننا نتخوف من أن تذهب كل هذه التضحيات وأرواح الشهداء دون أن يتحقق مرادهم بالحرية والكرامة؛ لأن الثورة حتى الآن تفتقد للرمز والقائد الذي يوجهها على عكس الثورة الإيرانية، ولعل من مظاهر محاولة اختطاف هذه الثورة هو محاولة تشكيل حكومة انتقالية أغلبيتها من رموز النظام السابق.

التاريخ مليء بقصص تكفي لأن تكون عبرة لكل الطغاة الذين يحسبون أنهم لا يقهرون، وأن باستطاعتهم ممارسة الاستبداد إلى الأبد، فهناك إمبراطورياتndash; وليس أفرادا فقط- انهارت بعدما كانت تسيطر على بقاع واسعة ممتدة من الشرق إلى الغرب، ومع ذلك نجد في عصر الاتصالات والتكنولوجيا من يعتقد أنه قادر على الحكم بنفس الأساليب القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب.

الملفت للنظر في ثورة الشعب التونسي على الظلم والاستبداد أن الإعلام لم يكن مسلطا على هذه الدولة الصغيرةndash; نسبة إلى جيرانها- لعدة أسباب، أهمها أن الضوء مسلط على الدول العربية الأكثر فقرا، بينما تتمتع تونس باقتصاد أفضل نسبيا، وإن كان هناك معدل بطالة غير منخفض. ومع ذلك حدثت الثورة من شرارة صغيرة لم تكن بالحسبان وإذا بها تحرق الأخضر واليابس، فمن كان يظن أن محمد البوعزيزي الجامعي العاطل عن العمل الذي حرق نفسه بسبب رفض السلطات أن يترزق من عربة خضار صغيرة كان سيغير مسار هذه الدولة، ويفك قيد الاستبداد عنها حتى انطبقت على هذه الحادثة الآية الكريمة: laquo;حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَraquo;؟(سورة يونس 24). فأين زين الفاسدين بن علي الآن؟ وأين كل هذا الجاه والخوف الذي فرضه على شعبه لأكثر من عقدين من الزمان؟ ذهب كل ذلك كلمح البصر وأصبح طريدا يبحث عمن يؤويه، وحتى فرنسا التي كانت تدافع عنه إلى ما قبل هروبه بيومين رفضت استقباله.

ونحن إذ نحيي الشعب التونسي على ثورته غير المسبوقة في العالم العربي في عصرنا الحديث، فإننا نتخوف من أن تذهب كل هذه التضحيات وأرواح الشهداء دون أن يتحقق مرادهم بالحرية والكرامة؛ لأن الثورة حتى الآن تفتقد للرمز والقائد الذي يوجهها على عكس الثورة الإيرانية. ولعل من مظاهر محاولة اختطاف هذه الثورة هو محاولة تشكيل حكومة انتقالية تتكون في أغلبيتها من نفس رموز النظام السابق بعد أن حاولوا الضحك على ذقون الناس بقولهم إن الرئيس الهارب فصل من الحزب الحاكم!

والوجه الآخر لهذه الثورة هو انكشاف نفاق الأنظمة الغربية مرة أخرى، فهذه الدول التي دوما ما تدعي محاولة نشر الديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان، ها هي تسقط من جديد بعدما ظهر أنها كانت تدعم وبشكل رئيس هذا النظام الفاسد القامع للحريات؛ فقط لأنه منع انتشار الإسلاميين في بلاده. تصوروا أنه حتى التونسيات المحجبات كنّ يجبرن على خلع الحجاب عند وصولهن إلى مطار تونس، كما أن الصلاة ممنوعة على موظفي بعض القطاعات، وفي نفس الوقت تدعو هذه الدول الأنظمة الفاسدة التي تدعمها إلى تبني الإصلاح!

مرة أخرى نحيي الشعب التونسي على إنجازه ونتمنى أن يقطف ثمار ثورته!