سمير عطا الله


كان الطقس مشمسا بعد ظهر الأحد، على غير عادة laquo;سماء باريس الرماديةraquo;. وبدل الذهاب التقليدي إلى laquo;الدو ماغوraquo;، اقترحت ابنتي laquo;مقهى أكثر حياة ووجوها أقل كآبةraquo;. أبعد قليلا في أزقة laquo;السان جيرمانraquo; القديمة والضيقة، كان مقهى laquo;لا باليتraquo; يعج بالناس. وقد نشرت الشمس النادرة ابتسامة مشتركة على جميع الوجوه.

وبعد قليل جاء وجلس إلى الطاولة جنبنا، رجلان؛ أحدهما معه عصا أنيقة. عندما سمعنا صوت الرجل صاحب العصا الأنيقة، لم يبق لدينا شك، بأن هذا هو! قبل أن نأتي إلى laquo;الباليتraquo;، ذلك الصباح، كنا نتابع أخبار تونس في وجوم.. دماء وصراخ في شوارع بلد عربي هادئ وعلى كثير من الرقي، والناس تبتهج بخروج الرئيس. لكن مظاهر التحطيم والأسى لا تزال في المدن، والهدوء لم يعد بعد، والخوف من المجهول لم يتضح أنه خرج مع الرئيس أيضا.

الرجل ذو العصا الأنيقة كان يتحدث إلى رفيقه عن تونس أيضا. وكما هو مألوف عنه، يحرك يديه ويرسم إشارات في الهواء، وفوقها يرسم علامات تعجب واستفهام. لا ندري ماذا كان يقول لصديقه على وجه الضبط، لكن كأنما كان يقول إن بعض الرؤساء لا يتركون مقاعدهم إلا إلى الغيبوبة، مثل بورقيبة، أو إبعادا مثل بن علي.

وكان رفيقه يصغي ويوافق، على الطريقة الفرنسية، مع جميع أدوات التعجب. ثم طلبا مرة أخرى قهوة مع الكريما. ونقر الرجل ذو العصا الأنيقة الرصيف بهدوء، كأنه يحاول أن يستذكر تجربة شخصية يدلفها في المحادثة. ولم أكن أدري ماذا يليق أن نفعل في مثل هذه الحال: أن نبلغ الرجل احترامنا؟ أم أن نحترم تمتعه الواضح بكونه رجلا عاديا يتناول القهوة مع الكريما في laquo;الباليتraquo;، شارع السين؟

قالت ابنتي، إن الأفضل هو أداء الاحترام للرجل المتقاعد. استأذنته في إلقاء التحية، ثم استأذنته أن أقول له، إن الرؤساء السابقين في العالم العربي، لا يأتون إلى المقهى بلا مواكبات، وغالبا ليس من سابقين إلا في لبنان، وبعض الجزائر، ويتيم عزيز في السودان.

وابتسم الرئيس جاك شيراك، وقال كلمات وتمنيات طيبة، ثم نقر الرصيف نقرا خفيفا بعصاه الأنيقة، وقام يكمل نزهته قبل أن تغير الشمس رأيها؛ أو موقعها. نسيت أن أقول له، إن عصا بعض الرؤساء في العالم العربي، ليست لنقر الأرصفة.