أمير تاج السر


الكل يعرف هذه الأيام، أن السودان في طريقه إلى قدر أن يتمزق إلى شمال وجنوب، ملغيا بذلك سنوات الانصهار الطويلة التي عاشها السودانيون، برغم كل الحروب والتناحرات، وحركات التمرد، الإقبال الكبير على مراكز الاقتراع، النشوة الواضحة على وجوه الجنوبيين، والحوارات والاستطلاعات التي تجرى في كل بقعة فيها جنوبي من السودان، ليعلن صراحة، أنه مبتهج بدولة الجنوب الوليدة، وأنها ستكون دولة مثل الدول، وفي الإجابات عن مقومات الدول التي لم يشاهدها أحد من تلك الجيوش الإعلامية التي غزت العاصمة الجنوبية جوبا على حين بغتة، يجيب الجميع، أنه لا بد من معاناة في البداية حتى تنشأ الدولة، لا بد للجنوبيين أن يعملوا ليصنعوا حلمهم المستقل بعيدا عن سطوة شمال لم يقدرهم أبدا، ولا اهتم بأبسط حقوقهم.
المسألة كلها أشبه بكابوس كبير لا أدري كيف زرع في تلك الأدمغة، وفي الوقت الذي تسعى فيه كثير من الدول الممزقة للم شتاتها، وترتيق لحمها وعظامها لتستطيع الوقوف على قدميها، يأتي مثل ذلك الحلم الغريب ليداعب مواطنين، عاش كثير منهم في الشمال، عاشوا كما يعيش الآخرون، فيهم وزراء وموظفون، وقضاة وأطباء، وأيضا فيهم عمال بناء وصرف صحي وخدم في البيوت. نفس ما انطبق على أبناء الشمال انطبق عليهم، بل وأكثر من ذلك، كانت كثير من الترضيات، تفعل في حقهم، وحتى حين طبقت قوانين الشريعة الإسلامية، اعتبرت أرضهم أرض أقلية غير مسلمة، لن تطبق فيها القوانين كاملة، لم يمسهم سوط جالد، ولا حجارة راجم، ولا سيف سياف، ولا أي شيء من ذلك، ومع ذلك يأتي خيار الانفصال واضحا لا يحتاج إلى أيام إضافية لإعلانه.
ثمة سؤال سئلته كثيرا، وأنا أتحاوم في حوارات الصحفيين الثقافيين، الذين يبدو أنهم يؤمنون بأن كاتب الروايات ينبغي أن يكون ملما بكل شيء، ولا ينفصل عن هموم بلده، ومن هذا المنطلق تأتي أحيانا أسئلة لا أستطيع الرد عليها، إما لأنني لا أعرف، أو خوفا من الحرج، وغالبا ما يتولى الصحفي الرد بنفسه عليها، وإلحاقها بالحوار. السؤال:
ما تأثير انفصال الجنوب السوداني على الثقافة بالتحديد؟ وهل ستختلف كتابتكم معشر السودانيين عما كانت عليه؟
الإجابة: لا بد أن ثمة تأثيرا كبيرا سيحدث، تأثيرا في تناول المواضيع، وكتابتها، ودراسة الشخوص وحركتهم، والبحث عن تراث قديم أخذ، وثراء معرفي جديد جاء، أشياء كثيرة يمكن استنباطها بعد انفصال الجنوب، وفي مجال الرواية، بالتحديد وأيضا الشعر. لكن الأمر برغم ذلك يحتاج أولا إلى دمعات حزن يجب أنه تذرف، قبل أن نبدأ الكتابة عن العصر الجديد الغامض لسوداننا الذي نحبه.