سيد أحمد الخضر

يجب أن نحيي تونس العظيمة، ليس لأن أبناءها أسقطوا زين العابدين بن علي وأجبروه ورهطه على الفرار إلى المجهول، ولا لأن التونسيين شكلوا استثناء في المغرب وفي المشرق.. ليس لهذا لأنه نتيجة طبيعية لتقدمهم في الوعي على بقية شعوب الأمة العربية.
نحن نحيي تونس لأن أبناءها عقدوا العزم على مواصلة النضال واعتبروا سقوط بن علي مجرد البداية، وثاروا على الحلول غير الدستورية فأسقطوا الغنوشي قبل أن يمضي في رئاسة البلد يوما واحدا، ثم رفضوا الحكومة التي شكلها بصفته وزيرا أول حتى اعتذر ربع أعضائها عن المشاركة، ونحييهم لأنهم أرغموا المبزع والغنوشي على الاستقالة من الحزب الحاكم سابقا، فلا يعقل أنهما استقالا استجابة لمقتضيات النزاهة والحياد التي يكفران بها أو يجهلانها أصلا.
إن الشعوب المغاربية فخورة بشباب تونس الذي قال كلمته في الشارع وكان أول شعب عربي يجبر حاكما على الرحيل ولم يلقِ بالا لمواعيده العرقوبية.
لقد أنقذ التونسيون كرامة العرب المهدورة، فلن نخجل بعد اليوم من العروبة.. من حقنا أن نفخر بالانتماء للعرب الذين منهم شعب تونس أو نفخر بالعرب الذين ينتمون لتونس.. هذه أول مرة تهيمن فيها قضية عربية ليست حصارا ولا انتكاسة على الميادين الإعلامية والسياسية الدولية. إنها ثورة العصر، وما ظنكم بشعب يسقط نظاما تشاركه فرنسا مصالح الاقتصاد وهموم الأمن وتحبه الولايات المتحدة في الإرهاب! هنا أسقط الأبطال التونسيون فاعلية المؤامرة وعرّوا ضعف الغرب وقلة حيلته أمام الشعوب.
إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد أن يستجيب البشر من باب أولى: أميركا تعترف بالثورة صاغرة وفرنسا تصمت طويلا ثم تذعن والعرب لأول مرة منذ أن خلقهم الله يقولون إنهم يحترمون إرادة وخيارات الشعوب! إنه زمن المعجزات. لن يفي مقال ولا حتى كتاب بحق الثورة التونسية التي تستحق أن تكتب بماء الذهب وينبغي على أقل تقدير أن تدرج في مناهج التدريس كونها المجد الوحيد، الذي صنعه العرب في التاريخ الحديث وفي التاريخ القديم أيضا، وعلينا إذن أن نورثه لأبنائنا.
لو قلنا ما نشاء في ثورة الياسمين وكتبنا عنها ما نشاء فلن نوفي تونس حقها.. تونس الخضراء التي تحولت حمراء في لحظة غضب فلعنت الظلم ودكت حصون الاستبداد ثم حولت منعة الظالمين إلى هوان وأحالتهم إلى الفرار وبئس القرار.
وحتى هذه النقطة لم أضف جديدا فكل كتاب العرب والعالم يتغنون بثورة تونس، كما تغنوا من قبل -وأنا معهم- بجمالها وسحرها. ما أريد قوله اليوم هو أنه يجدر بالسياسيين في بعض الدول العربية التعلم من تجربة تونس العظيمة. عليهم أن يستفيدوا من هذا الشعب الذي يسقط نظاما ويصر على تشكيل نظام جديد دون أن يُلبس ثورته رداء ولا عمامة. كل التونسيين رغم اختلاف مشاربهم مجمعون على البحث عن حل من الداخل فلا أحد هناك يريد الاسترزاق وبيع القضية للعرب ولا للغرب، لذلك غابت شعارات الخارج عن شوارع قرطاج والقيروان وسدي بوزيد ولم نسمع صيحات استنجاد بالمحيط الإقليمي ولا حتى بالمؤسسات الدولية، فهل يستفيد من هذا الدرس من يتاجرون بمصالح وطنهم ويبيعون قضاياه في الموسم الواحد المرة والمرتين؟ ذلك ما نأمله. ونأمل أيضا من التونسيين مزيدا من اليقظة حتى لا يسرق المتربصون ثورتهم. إن في الخارج أقواما، وبينكم أقوام، لم ينزلوا للشارع ولم تحترق أجساد فلذات أكبادهم لكنهم يريدون سلبكم ثمرة النضال، منهم من سأل الوزارة ومنهم من يطمح للرئاسة. إنهم لا يستحون فلا يغرنكم ما يدعونه من بلاء وما يقولون إنهم تعرضوا له من محن.. إنهم لم يصابروا ولم يرابطوا. أقنعوهم بأن ينتظروا الانتخابات.. وحدها صناديق الاقتراع ستكشف حجمهم.