حنان عشراوي

من حق الفلسطينيين أن يطرحوا قضية المستوطنات الإسرائيلية وعدم شرعيتها أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويأتي هذا القرار في أعقاب الرفض الإسرائيلي لتجميد النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والإخفاق الأميركي في ضمان خضوع إسرائيل للقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة. ينبغي على الولايات المتحدة أن تدعم هذه الخطوة لا أن تضع أمامها العراقيل. إن عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية أمر معترف به على مستوى العالم بموجب القانون الدولي، كما أنه من المعروف أن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وحل الدولتين من دون الوقف الكامل للنشاط الاستيطاني سيكون مصيره الفشل. ورغم التصريحات الأميركية المضللة، لا تزال الولايات المتحدة تقر بعدم شرعية الاستيطان، حيث لا يمثل انتهاكا للبند الرابع من اتفاقية جنيف فقط، بل يعد كذلك جريمة حرب بموجب اتفاق روما.

وفي ظل عدم وجود نية أميركية لإخضاع إسرائيل للمساءلة بموجب القانون الدولي والاتفاقيات الموقعة، لا تزال إسرائيل تصر على تعنتها في مواجهة الجهود الدولية من أجل إعادة إحياء مفاوضات حقيقية. وسيعيد قرار مجلس الأمن تأكيد التوافق الدولي حاليا على دعم حل الدولتين من خلال الاعتراف بالخطر الذي تشكله المستوطنات غير الشرعية.

إن الأمر ليس مستعصيا على الفهم، فالمستوطنات مبنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ويترتب على بنائها استغلال الموارد الطبيعية لفلسطين، بما في ذلك المياه، وكلاهما من حق دولة فلسطين المستقبلية. فمن دونهما لن يكون هناك وجود لدولة فلسطينية قابلة للحياة. يمكن تحديد التأثير الحقيقي للمستوطنات الإسرائيلية، ليس فقط من خلال النظر إلى تقويضها لحل الدولتين، بل أيضا من خلال الضرر الهائل الواقع على عدد لا يحصى من الأحياء الفلسطينية. وتعمل المستوطنات كقبضة استعمارية على الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وتمثل ممارسة غير قانونية للتعدي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. وتحتل هذه المستوطنات القائمة على مصادرة الأراضي وسرقة الأراضي الفلسطينية قمم التلال المحيطة بالضفة الغربية المحتلة في حصار للمدن والقرى الفلسطينية التي تقع عند السفح.

إن المستوطنات تقع في قلب شبكة متنامية من نقاط التفتيش والجدران العازلة والحواجز والطرق المخصصة لمرور المستوطنين فقط والتي تهمش واقع الفلسطينيين وتجعل الحياة بشكل طبيعي ضربا من المستحيل. لقد تم تدمير أراضي الفلسطينيين الزراعية، فضلا عن أعمالهم ومنازلهم من أجل التوسع الاستيطاني، في حين تمزقت حياة الفلسطينيين ومصادر رزقهم خلال تلك العملية. وتنطبق الحقوق والحماية التي يكفلها القانون الدولي على الفلسطينيين مثلما تنطبق على الآخرين. ويوجد في مركز الصراع الفلسطيني عزم وإصرار على استعادة هذه الحقوق والحماية التي أنكرتها علينا إسرائيل. وينطبق هذا على حقوق اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في المنفى منذ ما يزيد على 60 عاما مثلما ينطبق على الكثير من الفلسطينيين الذين عانوا من وحشية الاحتلال العسكري الإسرائيلي لأكثر من أربعة عقود.

إن المستوطنات جزء أساسي من هذا، ففي ظل الاستمرار في التوسع الاستيطاني في انتهاك صارخ للقانون الدولي، من المنطقي أن يتجه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة بصفتها محفلا يسعون من خلاله إلى نيل حقوقهم المشروعة. ليس السؤال هو ما إذا كان على الفلسطينيين التوجه إلى الأمم المتحدة، فلنا كل الحق في انتهاج كل السبل القانونية سواء في ظل غياب مفاوضات أو حتى بموازاتها مثلما فعل المؤتمر الوطني الأفريقي في صراعه من أجل وضع حد لسياسة التفرقة العنصرية. بل السؤال هو: لماذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تعارض مثل هذه الخطوة، خاصة في ظل إحباط مساعيها لإعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية مرارا وتكرارا نتيجة الرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان. ليست المفاوضات بديلا للقانون الدولي، بل عليها أن تسترشد به وتسير على هداه، فهو الذي يؤسس معايير السلام العادل. كذلك لا تعد المستوطنات قضية من القضايا الثنائية التي يعد عدم شرعيتها أمرا مطروحا للنقاش. ويمثل هذا رسالة تواجه إدارة أوباما خطر إرسالها من خلال معارضة قرار مجلس الأمن الذي يعيد التأكيد على عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية. كذلك يمثل هذا تعارضا زائفا بين المفاوضات والقانون الدولي باعتبار أحدهما بديلا للآخر. وفي ظل توقف المفاوضات، من شأن هذا أن يعرقل السبل القليلة التي يستطيع الفلسطينيون انتهاجها للاستمرار في نضالنا الوطني من خلال وسائل سلمية.

يشير ميثاق الأمم المتحدة بوضوح إلى laquo;الإيمان بحقوق الإنسان الأساسيةraquo; والحاجة إلى التمسك laquo;بالشروط التي تضمن احترام العدالة والالتزامات التي تحددها المعاهدات والمصادر الأخرى للقانون الدوليraquo;. ما الذي يمكن أن ينطبق عليه ذلك أكثر من الدمار الناتج عن الانتهاكات الإسرائيلية، وبوجه خاص الإجراءات أحادية الجانب مثل النشاط الاستيطاني؟

* عضو في منظمة التحرير الفلسطينية (اللجنة التنفيذية) وفي المجلس التشريعي الفلسطيني

* خدمة laquo;نيويورك تايمزraquo;