راجح الخوري

يقف الرئيس ميشال سليمان الآن حارسا مقهورا على بوابة quot;قلعة ساقطةquot;. إنها قلعة الوفاق الوطني الذي جاء باسمه رئيساً لجمهورية يبدو انها في طريقها الى الزوال. والذي، أي هذا الوفاق، لم يكن يوما إلا غلافا خادعا يخفي وراءه حلبة ملاكمة متوحشة ليس بين اللبنانيين وحدهم بل بين قوى اقليمية ودولية كثيرة تتصارع على لبنان، كي لا نقول إنها تتكالب عليه منذ زمن بعيد!
يوم الاثنين من الاسبوع الماضي أجّل سليمان موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس تشكيل حكومة جديدة، بعد دفع حكومة سعد الحريري الى الاستقالة على خلفية صراع مرير يتصل بالمحكمة الدولية والقرار الاتهامي. وهو صراع خلق أزمة احتقان كبيرة تهدد بتفجير لبنان، واعادته الى أجواء الحروب الاهلية والفتن المذهبية والطائفية، ولهذا بُذلت مساع حثيثة لايجاد حلول ومخارج أبرزها ما جرى في سياق ما يسمى المسعى السعودي ndash; السوري، الذي توقف للأسباب المعلنة المعروفة، ثم المحاولة الاخيرة التي بذلتها تركيا وقطر وانتهت بالفشل.
كان تأجيل موعد الاستشارات أسبوعاً يستند الى أمرين:
❒ أولا: ضرورة اعطاء المساعي المبذولة فرصة لايجاد تسوية ولو في اللحظة الاخيرة.
❒ ثانياً: حرص ميشال سليمان على حفظ quot;شعرة معاوية الوفاقيةquot;، اذا صح التعبير، حيث كان واضحا أن الاكثرية في الترشيحات كانت ترجح كفة الرئيس سعد الحريري.


❒ ❒ ❒

في البيان الذي قرأه النائب وليد جنبلاط أمس، بلهجة غلب عليها مزيج من الاسى والاحباط، قال إنه قرر مع نواب الحزب الاشتراكي الوقوف في الاستشارات النيابية الى جانب سوريا والمقاومة. وقد أكد هذا الاعلان حدوث تبدل جذري في موقفه نتيجة ضغوط قاسية، قيل إنها مورست عليه، ولكن ليس واضحا اذا كان موقفه هذا سيلزم فعلا كل نواب تكتل quot;اللقاء الديموقراطيquot; وحتى كل نواب الحزب الاشتراكي!
لهذا يجد ميشال سليمان نفسه مرة أخرى امام احتمالات تشبه تلك التي دفعته الى تأجيل موعد الاستشارات حرصا على عدم قطع quot;شعرة معاوية الوفاقيةquot; بين اللبنانيين، بما يدخل البلاد في مرحلة دقيقة من الانقسام، وربما ما هو أدهى من الانقسام، وخصوصا في ظل المخاوف المتزايدة من اندلاع فتنة مذهبية بين السنة والشيعة، إن لم يكن بسبب الانقلاب على واقع التوازنات التمثيلية في البلاد، الآن وفي ما يتصل بالتكليف المنتظر ومحاولة تشكيل الحكومة العتيدة، فقد يكون غدا بسبب الاعلان المتوقع لمحتوى القرار الاتهامي الذي تتعامل معه المعارضة على أنه مؤامرة اسرائيلية ndash; أميركية.


❒ ❒ ❒

في لاهاي. وواضح تماما أنه أياً كانت الحكومة التي ستقوم، اذا أمكن قيام حكومة في لبنان، لن تستجيب طلبات المحكمة الدولية، بما يعود الى مجلس الامن ربما اتخاذ اجراءات عقابية ضد الدولة اللبنانية.
لكن هذا شيء وما حذر منه جنبلاط شيء آخر، أخطر وأهم، وخصوصا اذا حصل الانتقال سياسيا في السلطة على طريقة الانقلاب. فعندما يحذر جنبلاط من ممارسات كيدية ومن تطبيق سياسات القهر والالغاء والاغتيال السياسي، فلأنه يخشى أن يشكل وصول المعارضة الى السلطة مدخلا الى مثل هذه الممارسات التي لا يتحملها لبنان، وخصوصا بعد طوفان التهديدات التي سمعها اللبنانيون على ألسن عناصر في المعارضة لم تتحدث إلا برغبة جامحة في الكيدية والقهر والالغاء.


❒ ❒ ❒

لا ندري ماذا سيفعل ميشال سليمان من الآن الى الاثنين المقبل وهو يقف حارسا مقهورا أمام quot;قلعة الوفاقquot; الساقطة، والتي ترتفع فوق أسوارها صيحات تنذر بشر مستطير.
ولكننا لا ندري ايضا اذا كان كل ذلك الجوّ من الحزن والأسى والتسليم الذي هيمن على لهجة جنبلاط، وهو يتلو بيانه، يسمح للمعارضة بأن تبدأ بتقبل التهاني، لأن المعركة تدور على صوت او صوتين، ولدى الاكثرية أصوات صامدة داخل quot;الجنبلاطيةquot; وربما مفاجآت في أمكنة أخرى، كما لدى المعارضة أوراق مستورة قد تفاجئنا أيضا.
لكن الشيء الوحيد الذي لا يفاجئ أحداً من أبناء هذا الشعب في هذا البلد السعيد، هو أن مأساة الانقسام والقهر والالغاء والكيدية تستوطن هذا البلد منذ زمن بعيد، وقد تحوّل حلبة ملاكمة بين القوى المحلية والاقليمية والدولية. أما أبناؤه وأهله الذين لا يريدون أكثر من فسحة صغيرة للأمل والتقاط الانفاس والايمان حتى بجدوى الحياة العادية الهادئة لبشر لا يريدون أكثر من راحة البال... أما هؤلاء اللبنانيون التعساء، فويلهم على قلب لهم ينخره اليأس في بلد الزلازل، وويلهم على قلب لهم تنخره الغربة وقد هربوا أو أحباؤهم خارج أرض الزلازل !