rlm; أمين الجميل

يشهد الشرق الأوسطrlm;-rlm; بالمفهوم الجغرافي التراثيrlm;-rlm; والعالمrlm;,rlm; إجمالاrlm;,rlm; زلزالا دينيا ندر نظيرهrlm;,rlm; يفوق في خطورته ما شهدته البشرية في تاريخها من مجازر خلال الحروب ذات الطابع الدينيrlm;,rlm; بسبب إنتشار الحركات المتطرفة ووسائل القتل البدائية والمتطورة التي تستخدمها هذه الحركات.

وأقل ما يقال في هذه الظاهرة الغريبة عن تقاليدنا العربية أنها تعيدنا الي العصور القديمةrlm;,rlm; كمثل عصر المحاكم الدينية المظلمrlm;(Inquisition)rlm; خلال القرون الوسطيrlm;,rlm; وهو عهد تكاد آثاره تتفاعل حتي الآنrlm;.rlm; فما يجري في العالم المعاصرrlm;,rlm; في الغرب والشرقrlm;,rlm; من عنف سياسي ذي طابع دينيrlm;,rlm; ولا سيما ما جري في الاسكندرية أخيراrlm;,rlm; وفي العراق وفي نيجيريا وفي أفغانستانrlm;,rlm; وقبل ذلك في منطقة البلقان والدول التي تفككت بفعل عودة العصبيات العرقية والدينية والمذهبيةrlm;,rlm; من شأنه أن يزعزع أسس الاستقرار والتعايش بين الناس والسلام في العالم كله الذي أصبح قرية كونيةrlm;.rlm;
صحيح أن ظاهرة الحروب الدينية والطائفية والمذهبية هذه تتداخل مع عوامل سياسيةrlm;,rlm; داخلية وخارجيةrlm;,rlm; تلبست لبوس الدين حيناrlm;,rlm; واتخذته ذريعةrlm;,rlm; حينا آخر لمآرب أخريrlm;.rlm; إلا ان واقعا جديدا كشف عن وجههrlm;,rlm; أخيراrlm;,rlm; هو الإعلان الصريح والعلني من قبل جهات متطرفة ومتزمتة عن حرب تصفية ضد المسيحيين في الشرقrlm;,rlm; وبخاصة في بعض البلدان العربيةrlm;,rlm; تمهيدا لتطهير ديني في المنطقةrlm;.rlm;
من يخدم هذا المنطق أولا؟ إن هذا المنطق يخدم أولا إسرائيل التي تعمل علي تكريس الكيان اليهودي علي أراضيهاrlm;,rlm; وقد قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاهrlm;.rlm; ولا من يحاسبrlm;.rlm; وهو يقدم لها الذريعة للتطهير العرقي والديني الذي دأبت علي تنفيذهrlm;,rlm; تثبيتا لـ ايهوديةب الدولة العبريةrlm;,rlm; والعمل علي تهويد القدس الشريف والاراضي العربية المحتلةrlm;.rlm;
إن تطهير الشرقrlm;-rlm; بمعناه الواسعrlm;-rlm; من المسيحيين يشكل إنقلابا علي الإسلام بجوهره الحقيقي المتجلي في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومسلك صحابة الرسول الكريمrlm;,rlm; سواء منهم عمر بن الخطاب خليفة المسلمين الذي أبي أن يصلي في كنيسة البطريرك صفرونيوسrlm;-rlm; الماروني المذهبrlm;-rlm; في بيت المقدسrlm;,rlm; تداركا لإحتجاج المسلمين بذلك فيحولوا الكنيسة الي مسجدrlm;;rlm; أو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين الذي أوصي عاملهrlm;,rlm; الأشتر النخعيrlm;,rlm; علي مصرrlm;,rlm; بحسن معاملة الأقباط معتبرا إياهم نظراء المسلمين في الخلقrlm;.rlm;
إن هذا السلوك الدخيل علي قرون من الحياة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين سيغير وجه الشرق الذي يتلألأ بأحداث تاريخية جعلت من المسلمين والمسيحيين المشرقيين صفا واحدا لمواجهة الغريبrlm;,rlm; أيا كانrlm;.rlm;
rlm;lt;lt;lt;rlm;
إن مسيحيي المشرق هم من أهل البلاد الأصليين سواء كانوا عربا أو سريانا أو كلدانا أو آشوريين أو من أعراق أخريrlm;,rlm; نشأوا فيها وعمروا الأرضrlm;.rlm; ثم لما جاء المسلمون الي ديارهم استقبلوهم مسالمين ورأوا فيهم إخوانا لهم في الإيمان وفي العرق والنسب وتعاونوا معهمrlm;,rlm; فتابعوا بناء الدول والإعمار جنبا الي جنب معهمrlm;.rlm; ألم تكن مالية الدولة الأموية في أيدي آل سرجونrlm;,rlm; منصور بن سرجون وإبنه سرجون والد القديس يوحنا الدمشقي؟ ألم يول معاوية بن أبي سفيان علي جباية خراج حمص نصرانيا هو الطبيب إبن أثال طبيبهrlm;,rlm; وهي من ارفع المهمات في نظام الخلافة الإسلامية؟rlm;(rlm; اليعقوبيrlm;562/2)rlm;
الي جانب هؤلاء الرواد وأمثالهم من شعراء وكتاب نهض في العصر العباسي مترجمو علوم الأوائل والمفكرون والفلاسفة الأول من المسيحيينrlm;,rlm; فكانوا من مؤسسي النهضة الثقافية الفريدة التي إزدان بها عصر بني العباسrlm;,rlm; مستأثرين الي ذلكrlm;,rlm; بمهنة الطبrlm;,rlm; علاجا وتأليفاrlm;.rlm;
وفي عهد النهضة العربية الحديثةrlm;,rlm; كان المسيحيون في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق ومصر هم الذين أيقظوا العرب لاستعادة مجدهم التليد وبعث اللغة العربيةrlm;-rlm; لغة القرآن الكريم ولغة الشعر العربيrlm;,rlm; ديوان مآثر العربrlm;-rlm; وتخليصها من موجة التتريك التي كادت تودي بهاrlm;,rlm; فهدرت مطابع الأديارrlm;,rlm; وألفت كتب ميسرة في النحو العربي وسائر علوم العربيةrlm;,rlm; وأنشئت الجرائد في أقطار العرب تروض العربية علي الحداثةrlm;,rlm; وترجمت تراث أوروبا تمهيدا لدخولهم عصرا جيدا من الحضارةrlm;,rlm; ثم لمعت أسماء لا تحصي في جميع فنون المعرفةrlm;,rlm; وأنواع العلومrlm;,rlm; ومدارس الأدب والإبداعrlm;:rlm; آل اليازجيrlm;,rlm; آل البستانيrlm;,rlm; أديب اسحاقrlm;,rlm; فرنسيس مراشrlm;,rlm; أنطون الجميلrlm;,rlm; آل تقلاrlm;,rlm; آل زيدانrlm;,rlm; فارس الشدياقrlm;,rlm; أمين الريحانيrlm;,rlm; جبران خليل جبرانrlm;,rlm; إيليا أبو ماضيrlm;,rlm; آل المعلوفrlm;,rlm; وسواهم وسواهمrlm;.rlm;
إن اكبر نكبة يمكن أن تنزل بالعرب والمسلمين هي محو أصحاب هذا التراث من الوجودrlm;,rlm; لأنه تراثهم وتراث المسيحيين المشتركrlm;.rlm;
إن أهم ما امتازت به دولة الخلافة العربية الاسلاميةrlm;,rlm; وتاليا الحضارة العربية الإسلامية هي التعددية في توجهها وإنتاجها الثقافيrlm;.rlm; فقد ضمت مختلف الأديان والطوائف والمذاهب والنحلrlm;,rlm; وشتي الأعراق والأجناسrlm;,rlm; وألسنة متعددةrlm;,rlm; وأمنت لهؤلاء جميعا الحرية الفكرية والحرية الدينية فانطلقوا في آفاق المعرفة فرسان رهان لا يجارونrlm;.rlm; وها نحن اليوم نحمل مشعل تراثنا منارة ونحدثه بانفتاحنا علي العالم الواسعrlm;,rlm; نأخذ منه ما يتفق وتراثنا وتقليدناrlm;,rlm; ونطرح ما ليس يلائم تاريخنا المشتركrlm;.rlm;
أما علي صعيد النضال القومي والوطني العربي وصد الهيمنة الأجنبية فلقد وقف المسيحيون والمسلمون في شرقنا جنبا الي جنب يدافعون عن بلدانهم وأهلهم وكرامتهم واستقلالهم في جميع الأقطارrlm;,rlm; ولا سيما في فلسطين المحتلةrlm;.rlm; فاستشهد المسيحي الفلسطيني الي جانب أخيه المسلم الفلسطينيrlm;,rlm; وكان من المسيحيين كما من المسلمين الفلسطينيين قادة أشداء علي الصهاينة رحماء بينهمrlm;.rlm; وكان للمسيحيين اللبنانيين في الدفاع عن فلسطين والقضية الفلسطينية والتنبيه الي الخطر الصهيوني اليد الطولي والفكرة السباقة والتدبير المحكم والحكيمrlm;,rlm; ولا سيما في المحافل الدولية ومنظمة الأمم المتحدةrlm;,rlm; فلمعت أسماء مضيئة في مجالات عدةrlm;,rlm; بينها أسماءrlm;:rlm; المفكر ميشال شيحاrlm;,rlm; الرئيس كميل شمعونrlm;,rlm; المفكر شارل مالك والرئيس سليمان فرنجيه يوم ألقي كلمته في منظمة الأمم المتحدةrlm;,rlm; بإسم الملوك والرؤساء العربrlm;,rlm; دفاعا عن فلسطين العربيةrlm;.rlm;
هذه الشراكة المسيحيةrlm;-rlm; الإسلاميةrlm;,rlm; والشراكة الوطنية العربية الجامعة تشكلان ركن مقاومتنا الحاضرة والمستقبليةrlm;,rlm; كما شكلتا أسس تاريخنا وحضارتنا الإنسانيةrlm;.rlm; لذلك ينبغي المحافظة عليهما بكل الجوارح وبمختلف التدابير والجهود الرسمية والأهليةrlm;,rlm; ولا سيما في البلدان ذات الأكثرية الإسلاميةrlm;,rlm; ليكون ذلك شهادة للإسلام والمسلمين ونموذجا يحتذي عنهماrlm;.rlm; وهذه أعظم إدانة لإسرائيل وعنصريتها الدينية والعرقيةrlm;.rlm;
rlm;lt;lt;lt;rlm;
لا بد من الانتقال الي محاولة العلاج الفوري لحالة التوتر الديني والتدهور الخلقي التي يعانيها شرقنا العربي والاسلاميrlm;.rlm;
وأول ما يتبادر الي ذهننا هو أن يتحمل رجال الدين من الطرفين والنخب الثقافية عندنا مسئولية توعية المجتمعات العربية والإسلامية علي المعطيات التي أثرنا قسما منهاrlm;,rlm; لنواجه واقعنا بالوعي والنضال العقلاني والإيمان الصحيحrlm;.rlm; ويقوم هذا الوعي بالسعي الي تبيان حسنات بل ضرورة التعددية الدينية والعرقية واللغوية والثقافيةrlm;(rlm; الكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدةبrlm;-rlm; سورة المائدةrlm;84),rlm; وأنها مصدر اعتزاز حضاري لنا دون سواناrlm;.rlm; ومن المؤسف القول إن النخب ووسائل الإعلام التي ينبغي أن تسمع صوت هذه النخب لم تقم بالدور المطلوب منهاrlm;,rlm; فسكتت أو كادت عن تبيان مضار الفظائع التي ارتكبتrlm;,rlm; سواء بحق المسلمين أو المسيحيينrlm;.rlm; ينبغي تجييش مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الاجتماعية والثقافية لتوعية مجتمعاتنا بالأخطار التي تحدق بناrlm;.rlm; بدأت بعض المؤسسات الإعلامية العربية والإسلامية بحملات مباشرة ضد الارهاب والتطرف والعنف السياسيrlm;,rlm; إنما هذه المبادرات بقيت محصورة وهي تستحق دعم المؤسسات الرسمية وجمعيات المجتمع المدنيrlm;.rlm;
rlm;lt;lt;lt;rlm;
أما الدول الغربية فينبغي لها أن تعي أن عهد الاستعمار لا يمكن أن يستمر مع يقظة الشعوب المقهورة والدول المستضعفة وانتشار المعرفة والوعي بانتشار التكنولوجيا الحديثة وانفتاح العالم كله بعضه علي بعضrlm;.rlm;
كما ينبغي أن تتفهم أوضاع الدول العربية والإسلامية ومشاعر الناس فيها وحساسياتهم تجاه إرث ثقيل من النزاعات السابقة بين الغرب والشرقrlm;.rlm; وكذلكrlm;,rlm; عليها أن تعي أوضاع المسلمين المنتشرين في دول الغرب ومشاعرهمrlm;.rlm; بل ينبغي أن تجعل من هؤلاء المواطنين الأقليين مواطنين مطمئنين علي يومهم وغدهم وأسرهم ومستقبلهاrlm;.rlm;
وفي هذا السياقrlm;,rlm; ينبغي أن تتنبه دول الغرب كلها الي قضية العرب والمسلمين المركزية أي القضية الفلسطينيةrlm;.rlm; فهي تساند إسرائيل ضد الفلسطينيين ولسان حاله يقول من دون أن تصرح بذلكrlm;:rlm; إسرائيل دائما علي حقrlm;.rlm; وتحاول أن تقنع نفسها بأن المعتدي هو الضحية وأن الضحية هي المعتديةrlm;.rlm; فلقد طال عذاب الشعب الفلسطيني وطال التعنت الإسرائيلي لإيجاد حل شامل وعادل لقضية قضايا فلسطين وديار العربrlm;.rlm; كأن مواقف الغرب جعلت منه عدوا لا شريكا عادلاrlm;.rlm; بعض مواقف الغرب المتجاهلة للحق والحقيقةrlm;,rlm; ساهمت في تأجيج التطرف الديني والسياسي والأمني الذي ترجم عنفاrlm;,rlm; وأحرج الدول والحكومات والفئات المعتدلة المنفتحة والمجتمعات الواعيةrlm;.rlm;
rlm;lt;lt;lt;rlm;
من جهة أخريrlm;,rlm; لا بد من إيجاد ديناميكية جديدة فورية لدفع الحوار المسيحيrlm;-rlm; الإسلامي الي الأمامrlm;,rlm; فيعزف عن الحوارات النظرية وينتقل الي التنسيق العملي علي المستوي الدوليrlm;,rlm; مستوي الحكومات والمنظمات الدولية والانسانيةrlm;.rlm; وهنا يحضرني إقتراح حزب الكتائب اللبنانية لجعل لبنان مساحة حوار الديانات والحضارات والثقافاتrlm;.rlm; ولبنان المكون من طوائفه ومذاهبه الثمانية عشرة يشكل نموذجا لتعاون وتفاعل الديانات السماوية والحضارات والثقافات العالميةrlm;.rlm;
وفي هذا السياقrlm;,rlm; أدعو مصر العزيزة الرائدة الي دور جديد يجدد أدوارها السابقةrlm;,rlm; وهو أن تكون الدولة الرائدة الي طرح القضية العربية من منظار شامل يتناول القضية الفلسطينية وسائر القضايا العربية في إطار رؤية موحدةrlm;,rlm; وهي التي إضطلعت بحضانة قضايا العربrlm;.rlm; وأنا علي يقين من أن مصر ستلقي التجاوب العالمي لإنفتاحها المعهود واعتدال سياستها ووزنها الرصين علي المستوي العالميrlm;.rlm;