علي حماده

صحيح ان معركة الدفاع عن لبنان الاستقلال لم تحسم بعد، لا لمصلحة الوصايتين، ولا لمصلحة الاستقلاليين. وصحيح ايضا ان مرشح الوصايتين الرئيس السابق عمر كرامي لم يدل حتى الآن بموقف واضح من امر ترشيحه لرئاسة الحكومة، مع انه يتصرف في هذه الاثناء على انه مرشح حقيقي وفعلي ويمضي لحظاته الراهنة على قاعدة انه رئيس الحكومة المكلف مساء الثلثاء المقبل بعدما انتقل النائب وليد جنبلاط الى صفوف الوصايتين، وإن مكرها.
لكن الصحيح أيضا ان عمر كرامي يعكس صورة غير مشجعة للبنانيين، وإن آثر تقديم نفسه كمدافع عما يعتبره معظم اللبنانيين اكبر كذبة في الدنيا اي ما يسمى بـquot;الخط المقاوم والقوميquot;. فما يسمى quot;مقاومةquot; انما هو آلة عسكرية امنية ايديولوجية عاملة في سياق اجندة خارجية واضحة. وهي اكثر من ذلك اداة قمع وقهر وتهدد سلامة كل لبناني في راهنه ومستقبله. وما يسمى بـquot;الخط القوميquot; والمقصود هنا الخط السوري، هو مشروع نظام يبغي الهيمنة والسيطرة على لبنان، من دون ان يكون في الأساس عاملا محسنا لحياة السوريين انفسهم في كل المجالات. وعمر كرامي الذي ينقل عنه انه في رحلة العمر الاخيرة يعتبر نفسه مجندا لخدمة quot;الخطquot;، لا يخفف من مخاوف الناس وشكوكهم في ما ستؤول اليه الامور في حال صار رئيسا للحكومة.
فعمر كرامي ملاحق منذ اليوم الاول لتبوئه منصبا كبيرا بلعنة الانكسار المبكي. فمن خروجه عام 1992 من رئاسة الحكومة جراء إنهيار الليرة اللبنانية، الى خروجه منها في 2005 حاملا مسوؤلية معنوية كبيرة بعد اغتيال سلفه رفيق الحريري في عهده، فملازمته المنزل في انتخابات 2005 غير قادر على الترشح، وإنكسار في انتخابات سنة 2009، محطات مؤلمة تجعل الرجل يختزل في ذاته مسيرة في الحياة العامة لا يحسده عليها أحد. فصورته إقترنت بإنهيار العملة الوطنية، وبجريمة اغتيال رفيق الحريري وهو رئيس للحكومة، وبالمعارك الانتخابية غير الناجحة في غياب الظهير السوري. حتى صار في مرحلة من المراحل أشبه بالاغراب عن مدينته طرابلس.
لا نقول هذا الكلام من باب التنكر لمحاسن عمر كرامي الرجل السياسي ابن البيت السياسي وصاحب النكتة الظريفة. نقولها لكي نحذر مسبقا من تداعيات وصول عمر كرامي الى سدة الرئاسة الثالثة على المستويات كافة، خصوصا انه في هذه الحالة سيكون رئيسا لحكومة الوصايتين: وصاية سوريا العائدة ووصاية quot;حزب اللهquot; التوسعية. ولن يكون كرامي اكثر من واجهة ستنفجر في وجهها كل ازمات الدنيا، معطوف عليها غضب اللبنانيين الذي سينفجر بالتأكيد، فتكون رحلته الحكومية الاخيرة رحلة سوداء لا عودة منها.
ان من عجائب الوصايتين الخارجية والداخلية ان تعمل على استغلال آلام عمر كرامي وجروحه القديمة لترمي به في الآتون. ومن عجائب الزمن ان يأتي الانقلاب على الاستقلال من طريق الايدي نفسها التي صنعته في لحظة مصالحة وصفاء مع الذات وقد تكون ذهبت ولن تعود!
ان لبنان في خطر، خطر وقوعه في قبضة الوصايتين. وتحت حكم quot;المطلوبينquot;!