سعد محيو

لا أحد في لبنان فوجئ بانتقال وليد جنبلاط من موقع ldquo;الثوريrdquo; المندفع لإسقاط النظام السوري واقتحام مواقع صواريخ حزب الله في الضاحية الجنوبية، إلى موقع ldquo;الثبات إلى جانب سوريا والمقاومةrdquo; .

فهذا السياسي البراغماتي حتى الثمالة قارئ فنجان من الطراز الأول لطبيعة وجهة رياح السياسات الدولية، وهو يُمضي ساعات طوالاً على الإنترنت يومياً، ويزور المكتبات بشكل دائم بحثاً عن معلومات عن حال المناخ الدولي .

حين كان المحافظون الجدد في السلطة في البيت الأبيض، لم يمانع جنبلاط أن يعلن استعداده لأن يعمل عامل تنظيفات في نيويورك على أن يرضخ للنظام السلطوي في دمشق، على حد تعبيره . وهو عبّر عن هذا الميل بغزله العلني مع هؤلاء المحافظين، وبشتائمه الصادحة في ساحة الشهداء ضد الرئيس السوري بشار الأسد .

لكن، حين بدأ المحافظون الجدد يستعدون للرحيل من دون أن ldquo;ينجزوا المهمةrdquo; التي وعدوه بها في سوريا وإيران، وحوصر في منزله في بيروت من دون أن ينجده المارينز، قرر جنبلاط أن الوقت قد حان كي ينفّذ الشعار الشعبي الطريف ldquo;قوموا تنهَّنيrdquo;، الذي يعني أن موازين القوى تغيّرت فلنقم بتهنئة الطرف الفائز .

جنبلاط بذل، ولايزال، جهوداً مضنية لإقناع شارعه بصوابية موقفه الجديد، بما في ذلك أنه يفعل كل ما يفعل لحماية الجبل الدرزي، وأيضاً بأن طريق السلامة في هذه الأيام الصعبة هي الوقوف على الحياد لا الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك .

ldquo;براغماتيةrdquo; جنبلاط الجديدة جاءت في الواقع في وقتها تماماً، وصبّت في مصلحة التخفيف من أضرار الأزمة الطاحنة الراهنة، إذ هي وفّرت لحزب الله وبقية سرب المعارضة الفرصة لتغيير المعادلة السياسية بالطرق السلمية والدستورية بدل اللجوء إلى القوة والعنف لتحقيق ذلك، الأمر الذي كان سيدفع البلاد سريعاً إلى منزلقات الفوضى الأهلية .

صحيح أن خطوة جنبلاط هذه لن تجعل مهمة عمر كرامي (في حال تكليفه) سهلة أو حتى ممكنة التحقيق، وصحيح أن حكومة جديدة برئاسته قد تحتاج إلى شهور عديدة كي تتشكّل، هذا إذا تشكّلت، إلا أن هذا سيوفّر فترة زمنية ثمينة يمكن خلالها للبنان أن يتجاوز العواصف المتوقعة التي سيثيرها الكشف عن طبيعة القرار الظني بأقل الخسائر الممكنة .

وإذا ماحدث ذلك، سيكون في وسع جنبلاط التذكير بصحة ما قاله في بيانه الانقلابي حين أشار إلى أنه بموقفه الجديد ldquo;يفتدي الاستقرار الأمني في البلاد ويفتدي سعد الحريري، بوقوفه حاجزاً أمام مواجهة أمنية وفتنة أهليةrdquo; .

من قال إن البراغماتية كلها سيئات؟