جون دايموند

في مثل هذا الأسبوع منذ عشرين عاماً، ورغم مخاوف التورط فيquot;فيتنام أخرىquot;، فوض الكونجرس الأميركي بمجلسيه الرئيس بوش الأب باستخدام القوة لطرد القوات العراقية المحتلة للكويت. لكن الذكرى العشرين لهذه الحرب التي تعد مفصلاً مهماً في التاريخ الأميركي الحديث، مضت دون أن يلحظها أحد تقريباً. والحقيقة أن هذا التناسي يصيب المرء بالحيرة، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا وجود 50 ألف جندي أميركي في العراق، وكذلك أوجه الصلة التي لا حصر لها بين عملية تحرير الكويت الخاطفة عام 1991، والاحتلال الطويل للعراق الذي مضى عليه حتى الآن ثماني سنوات مؤلمة.

بيد أن العلاقة بين الحربين ليست بتلك السهولة التي قد تبدو عليها للوهلة الأولى. فالكثيرون، ومنهم بعض مهندسي الحرب في العراق، يرون أن غزو العراق عام 2003 لإطاحة صدام حسين، كان استكمالاً -وإن تأخر طويلاً - لحرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت). لكن هذا التفسير يغفل، ليس فقط أهداف حرب الخليج الثانية الواضحة، وإنما أيضاً المبادئ التي قامت عليها الحربان، والتي تختلف فيما بينها اختلافاً بيناً.

في عام 1991 قال بوش الأب إن الغزو العراقي للكويت quot;لا يمكن أن يستمرquot;، وأنه لا يجب السماح لدولة أكبر بـquot;حل نزاع دولي من خلال احتلالها لدولة أصغرquot;. أما في غزو العراق، فإن بوش الابن قال إنه يمكن لدولة قوية -في ظروف معينة- أن تحتل دولة أضعف.

والحقيقة أن الولايات المتحدة كانت تفعل في العراق عام 2003، ما فعله العراق مع الكويت عام 1991، أي حل نزاع قائم منذ فترة طويلة من خلال اللجوء للقوة العسكرية، والغزو، وإطاحة النظام، والاحتلال. بيد أن ذلك لا ينفي أن هناك صلات، وفروقات أيضاً بين حرب الخليج الثانية، وبين الصراعات التي تشغل بالنا اليوم.

بعد حرب الخليج الثانية تركت القوات البرية الأميركية العراق، لكنها بقيت مع ذلك في المنطقة. وفي عام 1998، وعندما قام ابن لادن بشن هجوم على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا، اختار تاريخاً رمزياً، وهو السابع من أغسطس، أي التاريخ الذي بدأت فيه أول قوات أميركية في الوصول إلى السعودية عقب احتلال الكويت.

وقد أدى الانتصار السريع الذي حققته القوات الأميركية في حرب الخليج الثانية، والذي تصادف حدوثه مع انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى سيادة اعتقاد مؤداه أنه لم يعد هناك جيش في العالم قادر على هزيمة الجيش الأميركي، وهو اعتقاد دفع أعداء أميركا المختلفين، إلى اعتماد أسلوب الكر والفر في التعامل مع هذا الجيش. وقام تنظيم quot;القاعدةquot; بتطبيق مفهوم الحرب اللامتكافئة ضد أميركا، وشن سلسلة من الهجمات الإرهابية المدوية. كما قام نظام صدام حسين في العراق، وتحسباً للغزو الأميركي الوشيك، بإعداد خطة لخوض حرب عصابات طويلة الأمد ضد القوات الغازية، وهي حرب استطالت لما بعد سقوط النظام نفسه بوقت طويل.

والحقيقة أن أجهزة الاستخبارات الأميركية ارتكبت ثلاثة أخطاء رئيسية في التقدير فيما يتعلق بحرب الخليج الثانية، ترتبت عليها عواقب بعيدة الأثر:

الخطأ الأول: أنها أساءت تفسير معنى التحركات العراقية السابقة لغزو الكويت، واعتقدت أن قوات صدام قد خرجت من حرب الخليج الأولى ضد إيران منهكة، بدرجة لا تمكنها من خوض حرب جديدة.

الخطأ الثاني: أنها قد حذرت أعضاء الكونجرس من أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سوف يتعرض لخسائر كبيرة في حربه لتحرير الكويت، وهو ما لم يحدث.

الخطأ الثالث: أنه تبين للاستخبارات الأميركية، بعد تلك الحرب، أن العراق قد قطع شوطاً على طريق تطوير سلاح نووي أطول مما كان متصوراً.

وبعد ذلك التاريخ باثني عشر عاماً ارتكبت الاستخبارات الأميركية ثلاثة أخطاء في التقدير كانت على العكس تماما من الأخطاء السابقة: حيث صورت العراق بأنه البادئ بالعدوان، وتنبأت بحدوث خسائر طفيفة للقوات الأميركية، وبالغت في تحذيرها حول امتلاك العراق لأسلحة كيماوية وبيولوجية وأنه في طور إعادة تأسيس برنامجه النووي. وفي خريف 2002 كانت ذكريات النصر الخاطف الذي تحقق عام 1991، من الأسباب القوية التي دفعت الكونجرس لتفويض بوش باستخدام القوة ضد العراق.

لكن هذه المرة تبين أن العراق لم يكن لديه أسلحة دمار شامل، وأن الخسائر التي اُعتقد أنها ستكون طفيفة، كما كان الحال في حرب الخليج الأولى، كانت ضخمة، بشرياً ومادياً، ليس بسبب أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية وإنما بسبب امتلاكه ترسانة هائلة من العبوات الناسفة التي تزرع على جانب الطريق.

إن حرب الخليج الأولى حررت دولة صغيرة من براثن الاحتلال، وحافظت على ثقة الأميركيين في قواتهم المسلحة... لكن إرثها طويل الأمد كان ملتبساً؛ إذ أفرز كماً كبيراً من الكتابات التاريخية، والمذكرات الشخصية. والآن وبعد انقضاء عقدين على تلك الحرب، حيث لا تزال الولايات المتحدة متورطة في العراق، وأعداؤها الإسلاميون مصممين على طردها من الشرق الأوسط، فالمؤكد أن حرب الخليج الثانية باتت بحاجة إلى نظرة أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جون دياموند

محلل سياسي أميركي ومؤلف كتاب quot;سي. آي. إيه وثقافة الفشلquot;

ينشر بترتيب خاص مع خدمة quot;إم. سي. تي إنترناشيونالquot;