بصيرة الداود


عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، وفي كل أنحاء العالم حتى في أعرق الدول الغربية ديموقراطية لا تزال النساء يعانين من بخس وتمييز لحقوقهن بخاصة على مستوى الأحوال الشخصية، أو تدني الأجور في العمل أسوة بالرجال وغيرها الكثير مما سيبقي قضية تمكين المرأة من حقوقها مثاراً للجدل المستمر جيلاً بعد جيل.

المرأة في السعودية وعالمنا العربي المعاصر في شكل عام وضعت صورتها في إطار ثلاثي الأبعاد لا يتعدى الدين، والثقافة العربية بكل أعرافها وتقاليدها، والتأثيرات والتحديات الغربية القوية المعاصرة.

قضية استمرار التمييز المتخلف بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي أساسه من وجهة نظري يعود إلى تكوين شخصية الإنسان العربي في بنية اجتماعية متخلفة والنمط الإنساني الذي ينتج منها، فالعلاقة جدلية بين السبب والمسبب، لكن تجاهل هذه الحقيقة أوقع قادة التنمية في عالمنا العربي ومن خلفهم القادة صناع القرار السياسي في مأزق أدى إلى هدر الكثير من الجهد والوقت والإمكانات المادية عبر عقود ماضية، في شكل اتخذ طابع التبذير في مشاريع تنموية طنانة إعلامياً تقوم على برامج ودراسات ومخططات جزئية لا تتجاوز في واقعها السطح، ولم تتمكن من النفاذ إلى دينامية البنية المتخلفة للمجتمع في شكل عام، أو إلى التكوين النفسي والذهني للإنسان العربي الذي أريد تطويره سواء كان رجلاً أم امرأة، ودائماً ما نسمع عن وضع خطط مستوردة طبقت ونجحت في الغرب أو في آسيا، لكنها وبكل أسف فشلت فشلاً ذريعاً في تحريك بنية المجتمع العربي كما ينبغي وخطط له، فلماذا؟ وأين موقع الخلل تحديداً؟

قد يقول أحدهم بأن هذا مرده إلى تسويف أو تعطيل بعض المؤسسات بخاصة في ما يتعلق بمسألة تسهيل تنفيذ القرارات الحكومية بما فيها التوجيهات التي تصدر في البلاد ومن ضمنها قرارات تخص المرأة وقضية تمكينها من كل حقوقها وشؤونها العامة والخاصة. وعلى رغم أن مثل هذه الآراء أصبحت مستهلكة كثيراً لكنها على أية حال تعتبر آراء جيدة. لكن ما لم يقنعني به أحد حتى الساعة هو الكيفية التي يجرؤ من خلالها بعض المسؤولين على تعطيل تنفيذ القرارات والتوجيهات الحكومية التي تصدر من صاحب القرار الأعلى في الدولة ndash; حفظه الله - ومن دون علمه بذلك! ولماذا لا يتم اطلاع المجتمع إعلامياً عن أسباب تأجيل أو تعطيل أية توجيهات حكومية عليا تصدر لمصلحة المجتمع ونصفه المعطل دائماً (المرأة السعودية)؟

الحقيقة أن المرأة في السعودية كانت ولا تزال محصورة بين فكر تقليدي معقد في وضعه يدور في حلقة مفرغة لا يخرجها عن دائرة مضمون خطاب قديم يخضع لسلطة مرجعية جديدة، لذلك تبقى قضية المرأة في بلادي سطحية جداً كونها تتناول وتدرس من زاوية المضمون القديم للخطاب الديني، وليس من زاوية المضمون الجديد للخطاب العصري لتطور الدين. وربما يعود ذلك إلى عدم قناعة من يملك بيده قرار تنفيذ عمليات التغيير الاجتماعي في البلاد من مؤسسات رسمية دينية وقضائية أو سياسية أو أمنية. فالقوانين والأنظمة والآراء التي تصدر بين الحين والأخر مثلاً وتذيل على أنها فتاوى من جهة كبار علماء الدولة الأفاضل بخصوص كل ما يتعلق بالمرأة السعودية ينبغي إعادة النظر فيها كثيراً قبل توجيه أية صدمات غريبة وشاذة للمجتمع السعودي المعاصر الذي بدأ يتعاطى مع قضاياه وتحدياته بانفتاح فكري وذهني على العالم. وربما يخرج علينا من يقول بأن كل الأنظمة والقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية للمرأة السعودية مستمدة من الأصول الشرعية والفقهية في الدين الإسلامي، لكن الحقيقة التي تفرض علينا احترام مثل هذه المقولات تلزمنا في الوقت نفسه بضرورة الرد عليها من التاريخ الإسلامي نفسه، والذي مر بمراحل طويلة جداً كانت المسائل الفقهية والقضائية والدينية محلاً للتجاذب والتغيير والتطور ما بين النحل والملل والاعتزال لمختلف التيارات الفكرية الدينية التي دخلت إلى العالم الإسلامي مع توسع الفتوحات الإسلامية، فما السر وراء بقاء الأنظمة المتعلقة تحديداً بأحوال المرأة في السعودية على ما هي عليه لم تتغير أو تتطور كثيراً على رغم التقدم البطيء جداً الحاصل في مرحلتنا الراهنة بالنسبة الى قضية تمكينها من حقوقها؟

المرأة السعودية بحاجة ضرورية في يومنا هذا لمن يخرجها من دائرة الجدل بين خطابين: الأول قديم ذو سلطة مرجعية دينية سياسية جديدة لا تزال تمسك بكل زمام عمليات التغيير الاجتماعي في البلاد وتعمل على إحلال الماضي في الحاضر فقط، فتقاوم من خلاله كل من يحاول إخراج المرأة من دورها التقليدي اللامفكرَ فيه نحو دورها الاجتماعي الأكبر من وجهة تقليدية مسيطرة ومتنفذة تتوجه نحو الماضي ولا ترى غيره، فتمسك بسلاح التقاليد والأعراف بدلاً من تصديها للحاضر وتطلعها للمستقبل، وبين خطاب آخر تنويري لا يملك أية سلطة على المجتمع غير سلطته الفكرية المتمردة على الخطاب التقليدي المسيطر، فيحاول جاهداً قيادة المرأة والأخذ بيدها كي تعيش واقعها اليوم الذي بدأ يفرض عليها ضرورة مواجهة كل التحديات غير المسبوقة وتبني مستقبلها من خلاله.

مشكلات المرأة السعودية المعاصرة في ازدياد وهو ما بدأ من وجهة نظري يفرض وجود جمعية وطنية للنساء في المملكة قائمة على ثوابت الإسلام الصحيحة يكون هدفها السياسي الأهم في رأيي تمكين المرأة من حقوقها التي كفلها الإسلام، وعدم حرمانها من فرص ممارسة كافة الأعمال التي يمكن أن تنال منها رزقها الحلال، في الوقت نفسه الذي تكون فيه مثل هذه الجمعية خط دفاع ضد كل المؤسسات الرسمية في البلاد التي لا تزال قوانينها وأنظمتها تسير في اتجاه ابتلاع وهضم مختلف حقوق النساء، إضافة إلى عملها الهادف إلى المحافظة على حقوق المرأة السعودية ضد هجمات كل المنظمات النسائية الدولية والجمعيات الناشطة في هذا المجال التي تسعى بين الحين والآخر إلى إشهار صك إدانة حول ما يتعلق بشكل خاص بقضية تمكين المرأة السعودية من حقوقها الخاصة والعامة، واستغلال مثل هذه القضية سياسياً فقط لتحقيق أهداف معينة من دون الأخذ في الاعتبار تكوين النظام الاجتماعي في المملكة العربية السعودية.