نبيل بومنصف


ما لم تسعفه، بل تنقذه، تطورات كابحة للصدامات في اللحظة الحاسمة ما قبل الاخيرة من شأنها ان ترجئ الاستشارات النيابية تكرارا او تجترح وصفة غير محسوبة، سيكون الرئيس ميشال سليمان في الساعات المقبلة وجها لوجه امام اسوأ الكوابيس التي واجهت الرؤساء في عهود ما بعد الطائف.
عرف عهدا الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود كثيرا من الازمات والخضات والاضطرابات المتنوعة على مدى 18 عاما من ولايتين ممددتين بطبيعة الحال. لكن لا الهراوي ولا لحود واجها مرة إحراجاً ممزقا في الخيارات السياسية الداخلية والخارجية لأن كلاً منهما وصل الى سدة الرئاسة وحكم بفضل الوصاية السورية وسيطرتها المباشرة سياسيا وعسكريا واستخباراتيا على لبنان. وكانت نتائج كل جولة من جولات الصراع مع المعارضة آنذاك في الداخل او مع الخارج تفضي الى مزيد من التحكم السوري الذي كان quot;يريحquot; الرئيس من عبء دوره كحكم فيما هو طرف موصوف لا بل رأس الحربة في فريق الحكم الاحادي.
لم تكسر هذه القاعدة إلا مع انتخاب الرئيس سليمان في ظل التطورات المزلزلة منذ ايلول 2004 مع التمديد للرئيس لحود وصولا الى احداث 7 ايار 2008 واتفاق الدوحة. ولعلها الآن فقط تتمظهر خطورة تقويض اتفاق الدوحة في quot;نصه وروحهquot; بعدما سددت الرصاصة الاولى اليه في انتهاك بند الامتناع عن استقالة اي فريق من الحكومة، لكأن الامر يقف عند مشارف خطوة واحدة لتقويض quot;الدورquot; التوافقي ورمزه وشخصه ان دفعت الضغوط الغاشمة الرئيس الى مبارحة هذا الدور بالقوة والزامه، هو الآخر، الهرولة المتسارعة الى quot;اللون الواحدquot;.
على اهمية الدور السياسي المركزي لحلقة وسطية شغلها النائب وليد جنبلاط وحزبه وquot;اللقاء الديموقراطيquot; ما بين نصف انقلابه الاول على قوى 14 آذار في 2 آب 2009 وانقلابه الناجز على الرئيس سعد الحريري في 22 كانون الثاني 2011 والتحاقه بالكامل بمعسكر قوى 8 آذار، فان خطورة هذا الانقلاب لا تقاس بتلك المتوثبة في هذه اللحظة عند قصر بعبدا.
مع الانقلاب الجنبلاطي دمرت الحلقة الوسطية بين القوى السياسية وبين معسكري 14 آذار و8 آذار. اما مع الرئيس سليمان، وفي حال دفعه الى التصديق على الخيار الاحادي ومحضه توقيعه، فإن الدمار سيلحق بحلقة الدولة منهجيا وعضويا ورمزيا، مع كل ما يحمله ذلك من مضاعفات وتداعيات شديدة السلبية والخطورة على الرئاسة اولاً وتالياً دورها الوحيد المتبقي لامكانات اضطلاعه بدور فرملة الشر المتطاير من المبارزة الآتية بين فريقي الصراع.
حين سحبت ايدي الوسطاء الخارجيين عن الازمة، لم يكن ذلك سوى نذير حصار للدولة ورمزها، لا اكثر ولا اقل. ثمة من تسبب بتدمير الوساطات وثمة من تخلى عنها، وفي الحصيلة كان يمكن وضعا مماثلا ان يعيد النصاب الى الحلقة الوسطية الوفاقية في الدولة، وهي الرئاسة. دمرت هذه الفرصة بدورها، مما يعني انه اريد للنار ان تحاصر بعبدا كآخر معقل محتمل ومؤهل ومناط به حكما ودستورا ان يبقي جسور الحوار معلقة.
ربما يكون من السيئ فعلا ان تستعير هذه quot;المعموديةquot; الآتية للرئيس سليمان تجربة عهد الرئيس الياس سركيس الذي شلته المواجهات الداخلية والخارجية ومزقت كل قدراته لانه أبى ان يجنح يوما الى سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية على حساب quot;الجبهة اللبنانيةquot; وبالعكس. حاصرته المواجهات آنذاك وقوقعته في دور quot;ادارة الازمةquot;. لكن الاستعارة لا تنطبق على الرئيس سليمان من حيث انعدام قدرته، حتى في ظروف يفترض انها تبدلت جذريا، على مجرد ادارة للأزمة الطالعة. فهذه المواجهة العاتية لا تبقي اي مجال لمصطلح quot;الادارةquot; مع نذر quot;تغيير الدولquot;، وليس الحكومات فحسب، باعتبار ان اي جنوح هذه المرة الى quot;دولة آحاديةquot; لن يفضي إلا الى دولة الفوضى، التي ستأكل اي لون سواء كان منتصرا او منكسرا، ما دام عنوانها عدم توفير اي وسيلة لالغاء الآخر، مهما قيل في شعارات quot;الديموقراطيةquot; الزائفة المحشوة بعصف القوة والعنف والتخوين والتشهير.