ماذا بعد الفشل الكبير في بيروت ... واسطنبول؟

جورج سمعان
الحياة
فشلت اجتماعات اسطنبول بين إيران والدول الخمس الكبرى وألمانيا. لم يكن أحد يتوقع لها النجاح قبل أن تبدأ. انتهت بلا نتيجة تذكر. وحتى من دون الاتفاق على تحديد موعد جديد لاستئناف المحادثات، كما عبّرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون التي أعلنت أنه لم يتقرر إجراء جولة جديدة من المفاوضات. أي قد تمر سنة أو أكثر، كما حصل قبل اجتماع فيينا الذي عقد بعد سنة ونيف من القطيعة واتفق على استئنافه في تركيا.
مهدت إيران لاجتماعات اسطنبول بحملة دعائية دعت إليها السفراء المعتمدين في طهران لزيارة مواقعها النووية لتأكيد التوجهات السلمية لبرنامجها. لم تعر الدول الكبرى هذه الدعوة أي اهتمام. أحالت مثل هذه المهمة على لجان التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. حمّلت طهران إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في منتدى laquo;حوار المنامةraquo; آخر السنة الماضية، عن إمكان إيران تخصيب اليورانيوم laquo;شرط طمأنة الأسرة الدوليةraquo; إلى سلامة برنامجها النووي، أكثر مما يحتمل.
وجاء الوفد الإيراني المفاوض إلى اسطنبول ومطلبه الأساس ألا تتناول المحادثات وقف التخصيب. الرئيس محمود أحمدي نجاد كان واضحاً كما في مناسبات سابقة. هدد الدول الكبرى بتسريع البرنامج النووي إذا ظلت هذه الدول تلوّح بالعقوبات، وبالمزيد منها، موضحاً أن كل العقوبات السابقة لم تترك أية تأثيرات سلبية في بلاده. وكرر دعوة هذه الدول إلى البحث في سبل التفاهم أو التعاون في القضايا الدولية والإقليمية. أي إلى البحث في فض الحصار عن بلاده والاعتراف بدورها دولة كبرى لها مصالح أمنية وعسكرية واقتصادية في كل laquo;الشرق الأوسط الكبيرraquo;. أي أن كلمتها يجب أن توازي كلمات الدول الكبرى في قضايا هذه المنطقة الحيوية. تماماً ربما كما كان الأمر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أيام الحرب الباردة، ولا يزال اليوم بينها وبين كل من روسيا والصين وغيرهما من القوى الكبرى.
لذلك لم يتردد المفاوض الإيراني علي أصغر سلطانية في تنبيه ممثلي الدول الست إلى أن اجتماع اسطنبول سيكون الفرصة الأخيرة. فإذا كانت الجمهورية الاسلامية باتت تمتلك laquo;الكعكة الصفراءraquo; التي توفر لها اكتفاء ذاتياً من المواد المستخدمة في الوقود النووي، وإذا باتت لا تحتاج إلى وقود نووي عالي التخصيب من الخارج... فإن الاتفاق الذي أبرمته مع تركيا والبرازيل، عشية إقرار مجلس الأمن الحزمة الرابعة من العقوبات، لا تعود ثمة حاجة إليه، إلا إذا قبلت الدول الكبرى إحياء هذا الاتفاق لتحصل طهران على مزيد من اليورانيوم العالي التخصيب لتصبح مفاعلاتها قادرة على انتاج نظائر طبية!
ولا جدال في أن الدول الست لم تكن على استعداد لتقديم مثل هذه laquo;الهديةraquo; المجانية بعد كل ما طرأ على الملف النووي الإيراني من تطورات وتقدم في مجال التخصيب. جاء ممثلوها إلى اسطنبول متمسكين بوجوب وقف التخصيب أو تجميده على الأقل، على أمل العودة إلى حزمة الحوافز الاقتصادية والسياسية التي قدمت إلى طهران عام 2008.
هل يعني فشل المحادثات وغياب الاتفاق أنهما كانا الفرصة الأخيرة؟ الوزيرة آشتون أعلنت أن الباب لا يزال مفتوحاً. وأبو الفضل زهروند مساعد كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي أكد أن محادثات أخرى ستجرى laquo;ولكن لم نتفق بعد على الزمان والمكانraquo;. يعني ذلك أن الدول الست لا تزال تتصرف على أساس أن ثمة متسعاً من الوقت لمواصلة المسار الديبلوماسي في محاولة إيجاد حل للملف النووي الإيراني، وأن خيار الحرب لا يزال مستبعداً.
تعتقد الإدارة الأميركية بأن المقاربة الديبلوماسية للملف الإيراني تبقى أقل كلفة بكثير من الخيار العسكري، وبأن ثمة متسعاً من الوقت قبل وصول إيران إلى إنتاج قنبلتها النووية. وقد نشرت صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا وراء فيروس laquo;ستاكسنتraquo; الذي هاجم المرافق النووية الإيرانية، وهو ما دعا وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي موشيه يعالون إلى التصريح، قبل مدة، بأن وصول إيران إلى القنبلة النووية يحتاج إلى ثلاث سنوات. أي أن واشنطن تعتقد بأن حرب الفيروسات وآلاف الهجمات السيبرانية على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، ومطاردة علماء الذرة الإيرانيين، أخّرت وستؤخر الوصول إلى القنبلة النووية.
وتعتقد الولايات المتحدة أيضاً بأن تشديد العقوبات الدولية والأحادية وما تتركه من آثار سلبية اقتصادية واجتماعية، والمشاكل الأمنية أو التفجيرات التي تتكرر بين حين وآخر، فضلاً عما ستتركه قرارات حكومة الرئيس نجاد رفع الدعم عن البنزين والديزل وسلع غذائية من عوامل مكبوتة، واستمرار المعارضة الداخلية للإصلاحيين في التذكير بعدم شرعية النظام إثر الانتخابات الرئاسية قبل سنة ونصف سنة... كلها عناصر لا بد من أن تخلّف في النهاية آثاراً اجتماعية لا يمكن النظام بعدها التكابر والتغاضي والتجاهل... كما ستضعف قدرته على مواصلة سياسة الدعم المالي لحلفائه في المنطقة من غزة إلى لبنان وغيرهما. وقد تجبر قيادة الجمهورية على إعادة النظر في مواقفها والعودة إلى طاولة المفاوضات... أي أن واشنطن لا ترى ما يمنع تكرار تجربة الاتحاد السوفياتي الذي سقط في سباق العسكرة بفعل العوامل الاقتصادية بين عوامل أخرى. لذلك لا تزال تراهن على الوقت.
لكن الوقائع التي تلمسها إيران على الأرض تشي بخلاف ذلك. laquo;الحركة الخضراءraquo; التي قامت اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) 2009 تكاد تكون من الماضي. وقرارات الرئيس نجاد الاقتصادية لم تنذر حتى الآن بانتفاضة شعبية. ولم تخلف العقوبات المشددة آثاراً كبيرة تسمح بتوقع الأسوأ. وهذا ما أتاح ويتيح لطهران مواصلة سياستها الخارجية، ودعم مواقعها وحلفائها خارج الحدود، شرقاً وغرباً. وهي تتصرف كأنها باتت تمتلك من الأوراق ما يؤهلها الآن للجلوس والتفاوض من موقع قوة. وإذا كانت لا تمتلك بعد قنبلتها النووية، فإن ترسانتها من الأسلحة التقليدية، خصوصاً الصاروخية، تشكل قوة وازنة في ميزان القوى الإقليمي.
وتتصرف إيران على وقع ما تواجهه إدارة الرئيس باراك أوباما من تراجع ومتاعب في كل قضايا المنطقة. فلا مسيرة التسوية الفلسطينية - الاسرائيلية خرجت من المأزق الذي حشرها فيه بنيامين نتانياهو. بل إن خروج إيهود باراك من حزب العمل واحتفاظه بكرسي الدفاع في الحكومة عززا موقع زعيم laquo;الليكودraquo; في مواجهة سياسة واشنطن. فيما عودة العنف إلى العراق سمحت مجدداً بطرح السؤال عن موقف واشنطن وإمكان إعادة النظر في انسحاب آخر قواتها من هذا البلد أواخر السنة الحالية. ولا حاجة إلى التذكير بما تعانيه خطط الأطلسي في أفغانستان، وما يواجه اليمن من أخطار.
وآخر الجديد الوضع الذي تشهده تونس بعد إطاحة حكم زين العابدين بن علي الذي شكل، لسنوات، بالنسبة إلى أميركا وأوروبا، قاعدة مهمة في شمال أفريقيا على صعيد مواجهة laquo;الإرهاب والمد الأصوليraquo;، وسنداً لمسيرة التسوية السلمية في الشرق الأوسط. وإذا كان الوضع في تونس يشهد مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات والمفاجآت، فإن المعركة الدائرة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تشعل جبهة أخرى لا يمكن التنبؤ بتداعياتها. وإذا كانت واشنطن ضغطت لإطالة حرب تموز (يوليو) 2006 على أمل إطاحة laquo;حزب اللهraquo; ولم يتحقق لها ولإسرائيل ما أرادتا، وإذا بدت قاصرة عن منع laquo;حزب اللهraquo; من السيطرة على بيروت في غضون ساعات، في أيار (مايو) 2008... فهل تستطيع التأثير في ما يشهده لبنان من تحول مفصلي في تقاليد النظام وليس الحكم فحسب بعد إسقاط حكومة الرئيس سعد الدين الحريري؟
إن ما يشهده لبنان ينبئ بتغيير كامل للمعادلة السياسية وتركيبة الحكم لمصلحة سورية وإيران، يواكبه تغيير في التحالفات والاصطفافات على مستوى العلاقات بين القوى الإقليمية الكبرى، من سورية إلى إيران وتركيا فالسعودية ومصر... أللهم إلا إذا فاجأت المحكمة المتصارعين في بيروت، محليين وخارجيين، بما لا طاقة لهم على تحمله وإطفاء ناره! بعد هذا، لماذا يستعجل المتفاوضون على الملف الإيراني إبرام صفقة شاملة لم تنضج عناصرها بعد؟ أين دور أنقرة؟ ولماذا اكتفت بالتفرج على ما يجرى في اسطنبول وقبل ذلك في بيروت؟
أحوال عربية... آيلة للسقوط!
عبدالله خليفة الشايجي
الاتحاد
عقود عدة مرت على النظام العربي ونحن نعيش في عصر الوهن والتراجع العربي في منطقة نحن من نشكل أغلبيتها البشرية والاقتصادية والسياسية بمقدرات وثروات ودخول وموارد طبيعية، ولكننا نعجز أن نصبح الرقم الصعب في المعادلة المعقدة. وتضعفنا وتكبلنا أحزمة الفقر والجوع والبطالة والتسلط والعجز!..
لقد كانت القمة الاقتصادية الأخيرة هي أول قمة عربية تعقد بعد سقوط نظام بن علي في تونس وانطلاق ثورة الياسمين التي قرعت أجراس إنذار غطت العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه وهو يتابع ظاهرة حرق الأجساد بسبب الجوع والفقر والقهر والبطالة، ولذا طغى على هذه القمة الاقتصادية الثانية الشأن التونسي.
ولعل أقل ما يمكن قوله، في هذا المقام، إن حالة العرب مع مطلع العام الجديد غير مطمئنة، وأن إرهاصات الأسبوعين الأولين منه خاصة لا تشي بالاطمئنان. ولم أكن أتوقع بأكثر حالات التشاؤم عقب مقالي قبل الأخير quot;حال العرب بين عامينquot; سرعة تدافع الأحداث، مع أنني سردت فيه الواقع العربي المرير خلال العام الماضي وآلام المخاض الصعبة في أكثر من دولة ومجتمع، من تقسيم وتفتيت السودان، وترقب وتفجير لبنان، وانهيار نظام وتغييرات غير مسبوقة في تونس، وعدوى وتمدد الحالة التونسية في أكثر من مكان ومجتمع!
والراهن أن تونس التي شهدت زلزالاً غير مسبوق قضى على نظام حكم بالقمع والحديد والنار والفساد، وشهدت ثلاثة رؤساء في ثلاثة أيام في ثورة الياسمين، ولا يزال مبكراً تلمس مآل الثورة الشعبية التونسية التي لم تكن واضحة المعالم والقيادة والمستقبل، ولكن ارتداداتها الكبيرة وصلت إلى الأطراف العربية القريبة والبعيدة بعدما سمع قرع أجراس إنذار تونس التي وصلت وأحدثت سلسلة التغييرات السريعة. وسارعت الدول لاتخاذ خطوات استباقية بتخفيض الأسعار والتوظيف ودعم أسعار المواد الأساسية مثل الغذاء والخضار والغاز والبنزين، وزيادة الرواتب. وأعلن الرئيس المصري في القمة أن quot;الشباب العربي أغلى ما تملكه الدول العربيةquot; مشيراً إلى أنه quot;بفكرهم وسواعدهم نصنع مستقبل أمتناquot;. ولكن عمرو موسى دق جرس إنذار في القمة معلقاً أن quot;النفس العربية منكسرة بالفقر، والبطالة، والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية، هذا بالإضافة إلى المشاكل السياسية التي لم نستطع حل أغلبهاquot;.
أما لبنان الوطن الذي يبقى في غرفة الانتظار خشية الانتقال إلى غرفة العناية الفائقة، ويعيش ويقتات من أزمة إلى أخرى، فقد دخل الأسبوع الماضي نفقاً خطيراً يُنذر بفراغ حكومي قد يمتد لأشهر لينافس الحالة العراقية ويدفع لبنان للقفز إلى المجهول.
وفي محطة أخرى دعت الوزيرة كلينتون في quot;منتدى المستقبلquot; في الدوحة القادة العرب إلى مكافحة الفساد وضخ حياة جديدة في أنظمتهم السياسية الراكدة. وحثت حكومات الدول العربية على الإصغاء لمواطنيها وتوفير فرص العمل.
وشكلت الكويت حالة فريدة في الواقع العربي المنهك، حيث قدم وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد استقالته على خلفية وفاة أحد المواطنين الكويتيين من جراء التعذيب، وتأكيده quot;لا أرضى ولا يشرفني أن أقود وزارة تعتدي على المواطنينquot; قبل أن تجمد استقالته بانتظار قرار لجنة التحقيق البرلمانية مع وقف قياديين كبار في وزارة الداخلية خاصة في إدارة المباحث، لتبقي هذه البادرة الأمل في أننا كعرب لم نفقد بعد كل شيء. وأن في الدول العربية أيضاً من الممكن أن يستقيل وزير داخلية بإرادته دون أن يُقال.
وفي المجمل فإن مخاوفنا كبيرة في عام 2011 الذي بدأ بزخم خطير وغير مسبوق تمثل في تراجع أوضاعنا في أكثر من دولة. وفي أسبوع آلام الحالة العربية الصعبة زدنا بؤساً وأسىً وأملاً بعدما توزعت الآلام والآمال والأحزان في الزوايا العربية الأربع. والخوف اليوم من أن نزداد ضعفاً وتشرذماً وتفككاً، ولكن أمل التغيير يبقى أيضاً قائماً. إنها إذن بداية لعام جديد بتطورات وأحداث مهمة ومؤثرة بالتأكيد سيكون لها ما بعدها في حالة العرب الصعبة!