إبراهيم بن خليفة آل خليفة


تسعى الدول النامية بكل ما لديها من وسائل ممكنة إلى تحقيق أهداف التنمية الألفية في موعدها المقرر، وهو نهاية عام 2015. تلك الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة، كما هو معروف، في عام 2000 أساسا لخفض مستوى الفقر والبطالة، ضمن أهداف أخرى، في دول العالم الثالث، مع نهاية عام 2015.

وتشكل هاتان المشكلتان بالتحديد، الفقر والبطالة، أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها العالم العربي في الوقت الحاضر، إذ تشير بعض التقديرات إلى أن الدول العربية سوف تحتاج إلى خمسين مليون وظيفة مع حلول عام 2025، أي خلال الخمسة عشر عاما القادمة. وما لم يتم توفير هذا العدد من الوظائف أو الجزء الأكبر منه على الأقل فسوف تكون النتائج وخيمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، بل وعلى استقراره السياسي نفسه، كما تشهد بذلك ثورة الياسمين الأخيرة في تونس.

ولن تتأتى مواجهة هذه التحديات، طبقا لكل التقديرات، دون حلول مبتكرة من شأنها التركيز على إعداد الشباب للانخراط في سوق العمل، سواء من خلال التوظف أو من خلال إنشاء مشاريع ريادية خاصة. وهذا يتطلب ضمن ما يتطلب تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية والعمل على تقليص الفجوة التكنولوجية وتحويل مؤسساتنا من مؤسسات مستوردة للتكنولوجيا إلى مؤسسات منتجة ومصدرة لها.

ولعل من أفضل الحلول غير التقليدية لمواجهة مشكلتي البطالة والفقر، وفقا لأفضل الممارسات العالمية، هو نشر روح وفكر ريادة الأعمال بين الشباب laquo;ذكورا وإناثاraquo;، وتشجيعهم على إنشاء وتنمية المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وتطويرها لتكون قادرة على المنافسة والإبداع. ويفرض هذا الحل على متخذ القرار في الدول العربية أن يبادر بوضع البرامج والآليات التي تسهم في دعم هؤلاء الشباب ليصبحوا قادرين على الإبداع والمساهمة الفعالة في تنمية بلدانهم بطريقة إيجابية ومستدامة.

وهذا بالتحديد هو جوهر النموذج البحريني - العربي في إنشاء وتنمية المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إذ يهدف هذا النموذج الطموح بشكل أساسي إلى تمكين الشباب، وخصوصا من ذوي الدخل المحدود، من إنشاء وتطوير مشاريع جديدة من شأنها توسيع الطبقة المتوسطة وضمان تحقيق تنمية وطنية مستدامة. ويركز النموذج البحريني بصفة خاصة على ذوي المواهب من الشباب الذين لديهم أفكار وقدرات تؤهلهم ليكونوا رواد أعمال ولكن ينقصهم الخبرة والمال لترجمة أفكارهم إلى مشاريع على أرض الواقع. كما يعطي النموذج كذلك اهتماما خاصا لرائدات الأعمال من النساء.

ويرجع تاريخ النموذج البحريني - العربي إلى عام 1999 حين قامت دولة البحرين آنذاك، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، بدراسة مستفيضة حول الآليات والبرامج المعمول بها دوليا في مواجهة تحديات الفقر والبطالة. وركزت هذه الدراسة بصفة خاصة على تجارب ثلاث دول، هي إيطاليا وتركيا والهند، في تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتخفيف من حدة الفقر. وأثمرت هذه الدراسة بقيام حكومتي البحرين والهند، بالتعاون مع laquo;اليونيدوraquo; أيضا، بإنشاء المركز العربي الإقليمي لتدريب وتنمية رواد الأعمال (الأرسيت) عام 2001 تحت إشراف مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا التابع لـlaquo;اليونيدوraquo; في البحرين، والذي أشرف برئاسة مجلس أمنائه.

وفور إنشائه قام laquo;الأرسيتraquo; بتطوير ما أصبح يعرف حاليا في الأوساط الاقتصادية بـlaquo;النموذج البحريني ndash; العربي في ريادة الأعمالraquo;. ويتضمن هذا النموذج تقديم حزمة متكاملة من الخدمات المالية وغير المالية لرواد الأعمال من الشباب على مدى المراحل المختلفة لدورة حياة المشروع لكي يضمن نمو المشروع بصورة طبيعية ومستدامة. ويتألف النموذج البحريني - العربي من أربع مراحل، على النحو التالي:

في المرحلة الأولى يعد رواد الأعمال فكريا ونفسيا لتبني ثقافة ريادة الأعمال، وتطور مهاراتهم الإدارية لإدارة مشاريعهم الخاصة ولإعداد خطط الاستثمار والتشغيل والتسويق.

وفي المرحلة الثانية تتم مساعدة رائد العمل على تحديد نوع التكنولوجيا الملائمة لنشاطه والتعرف على مصادرها عبر شبكة مكاتب laquo;اليونيدوraquo;، بالإضافة إلى مساعدته في عقد شراكات استراتيجية مع شركاء أجانب.

ويركز في المرحلة الثالثة على تعريف رواد الأعمال بالمؤسسات التمويلية وتزكيتهم لديها للحصول على التمويل اللازم، سواء لإنشاء المشاريع أو لتشغيلها بعد إنشائها.

والمرحلة الرابعة هي مرحلة احتضان رائد العمل ومساعدته في بدء مشروعه، سواء داخل أو خارج حضانة الأعمال، ومساعدته كذلك في التعرف على الأسواق الموجودة وفتح أسواق جديدة.

وقد وضع النموذج البحريني - العربي دولة البحرين في موقع الريادة على الساحة العالمية في مجال ريادة الأعمال، واعتبرته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) رسميا في عام 2007 آليتها المثلى لتحفيز الاستثمار والتكنولوجيا. وبعد أن أثبت هذا النموذج نجاحه في تطوير الموارد البشرية وإعداد الشباب، رجالا ونساء، لإنشاء وإدارة مشاريعهم الخاصة في البحرين، قامت laquo;اليونيدوraquo; من خلال المركز العربي الإقليمي لتدريب وتنمية رواد الأعمال (الأرسيت) بنقله إلى تسعة عشر بلدا آخر، بخلاف البحرين، هي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وسورية واليمن والسودان ولبنان والأردن والعراق وتونس ولاوس وموزمبيق وأورغواي وكينيا وغانا وأوغندا وسيراليون، ومؤخرا جمهورية الصين الشعبية، وجمهورية مصر العربية. ويجري الآن نقل النموذج إلى دول أخرى تشمل المغرب وزمبيا وإثيوبيا وزنجبار وإريتريا وتنزانيا.

كما حدا هذا الانتشار العالمي الواسع للنموذج البحريني - العربي بالأمم المتحدة أن تعترف به كأكثر النماذج نجاحا، في مجاله، طبق في العالم حتى الآن. وشجع نجاحه على هذا النحو الواسع على المستوى العالمي مؤسسات أخرى كثيرة على المشاركة في تطويره ونقله إلى دول جديدة.. من هذه المؤسسات برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (الأجفند)، والبنك الإسلامي للتنمية، والصندوق الكويتي للتنمية العربية، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، وبيت التمويل الكويتي.

وكان آخر هذه المؤسسات هو الاتحاد العربي للمنشآت الصغيرة التابع للجامعة العربية الذي عقد مؤخرا شراكة استراتيجية مع laquo;الأرسيتraquo; وlaquo;اليونيدوraquo; اعتمد بمقتضاها رسميا، في اجتماع مجلس الإدارة السادس الذي انعقد بالقاهرة بتاريخ 23 من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، النموذج البحريني - العربي كآلية تنفيذية لبرامج تنمية رواد الأعمال وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وقد شرفت بمنحي العضوية الشرفية للاتحاد في الاجتماع نفسه بصفتي رئيس مجلس أمناء المركز العربي الإقليمي لتدريب وتنمية رواد الأعمال (الأرسيت)، للدور المميز الذي قام به المركز في تنمية وتعزيز ريادة الأعمال في المنطقة العربية. وأعطى الاتحاد أيضا عضويته الفخرية لمركز (الأرسيت) نفسه. وكان من ثمار الشراكة الاستراتيجية بين laquo;اليونيدوraquo; والمركز إشهار يوم رائد العمل العربي الذي عقد بمملكة البحرين في عام 2010.

ولم يقتصر أمر نشر النموذج البحريني - العربي على المؤسسات التنموية فقط، وإنما انضم أيضا إلى مجموعة الداعمين بعض الحكومات، مثل الحكومة الإيطالية التي تولت تمويل ودعم البرنامج في العراق ولبنان والأورغواي. ومن خلال منحة إضافية قدرها ثلاثة ملايين دولار تقوم الحكومة الإيطالية حاليا بتمويل عملية نشر النموذج باستخدام آليات التعلم عن بعد بالتعاون مع جامعة يونو ننتونو الإيطالية. وقامت الحكومة الصينية من خلال اتحاد رجال الأعمال الصينيين ومركز laquo;جنوب - جنوب للتعاون الصناعيraquo; بتمويل نقل النموذج إلى جمهورية الصين الشعبية. وتم إنشاء أول مركز في بكين كبداية لإنشاء ثلاثين مركزا إضافيا في جميع محافظات الصين. وهذا سوف يفتح المجال أمام رواد الأعمال العرب لإنشاء شراكات واستثمارات مشتركة مع مستثمرين صينيين.

وبالنظر إلى الدور المهم المنوط بالتمويل في إنجاح نشر النموذج البحريني - العربي على المستوى العالمي، امتدت جهود laquo;الأرسيتraquo; وlaquo;اليونيدوraquo; إلى تطوير آليات التمويل المناسبة للمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وتم لهذا الغرض إنشاء laquo;بنك الإبداعraquo; من خلال شراكة استراتيجية عقدت مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (الأجفند)، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز. واختير برنامج laquo;الأجفندraquo; لعقد الشراكة معه بالنظر إلى الخبرة الطويلة التي طورها في مجال التمويل الصغير والمتناهي الصغر، وبالنظر أيضا إلى الأهداف النبيلة التي يسعى سمو الأمير طلال بن عبد العزيز إلى تحقيقها، وهي محاربة الفقر والتمكين الاقتصادي للشباب من الجنسين.

وسوف تواصل laquo;اليونيدوraquo; من خلال المركز العربي الإقليمي لتدريب وتنمية رواد الأعمال (الأرسيت) جهودها في نشر النموذج البحريني - العربي لريادة الأعمال في الدول النامية بالتعاون مع كل من يستطيع مد يد العون لها في نشره.. من مؤسسات تنموية وحكومات، سواء في العالم المتقدم أو النامي. كما سوف تواصل laquo;اليونيدوraquo; أيضا جهودها من خلال laquo;الأرسيتraquo; كذلك في تطوير النموذج البحريني - العربي ذاته للوصول به إلى أعلى درجات الكمال على ضوء نتائج التطبيق العملي للنموذج في مختلف دول العالم النامي، وكذلك مع توالي الأفكار الجديدة المبتكرة في هذا المجال.

* وزير الإسكان بمملكة البحرين، ورئيس مجلس أمناء المركز العربي الإقليمي لتدريب وتنمية