محمد صالح السبتي


هذه الجملة لـ د. صلاح الراشد، وأنا مؤمن بها تماماً، فالحقيقة والواقع يقول ان السياسيين لا يمكن أن يؤتوا بالإصلاح من عند أنفسهم وأن السياسة لعبة، وقد يتخللها كثير من المحسوبيات وتقاطع المصالح واللف والدوران وما الى ذلك من ألاعيب السياسة... وكما يقول د. الراشد حتى لو جاء صلاح من سياسي فان الجانب الآخر لشخصيته هو من يكون جاء بهذا الصلاح كالجانب الاقتصادي أو الثقافي وكثيراً ما يدفع السياسيون ضريبة هذه الجوانب المشرقة في شخصياتهم.
نحن في الكويت مثلاً ومنذ ما يقرب من (50 عاما) من تنظيم الحياة السياسية والمشاركة الشعبية نعيش أزمات سياسية متكررة، ولعل الجهود التي تبذل والتركيز الذي يستهلك قوانا لا يوازي أبداً النتائج التي استنفدناها من المجلس التشريعي بل لعلنا خسرنا أكثر مما بذلنا ويكفي هدر طاقاتنا وأوقاتنا تجاه هذا العمل، العيب ليس في النظام الديموقراطي أو السياسي أو أداء مجالس الأمة أو الحكومات، وإن كانت هاتان الجهتان تتحملان أعباء الفشل في الأداء، الخلل يكمن في أننا لم نفهم العملية الديموقراطية وركزنا كل جهودنا في انتظار الإصلاح من الحكومة والمجلس كسياسيين.
كيف ننتظر الإصلاح من السياسيين الحكومة والمجلس ونحن نقر ونعترف بقذارة السياسة وأنها فن الممكن والمصالح؟
الإصلاح يأتي في المجتمعات من المؤسسات المدنية، من التجمعات، من الإعلام، من فعاليات المجتمع... من هنا ينتج الإصلاح. قد يقول لي قائل كيف يأتي الصلاح من مثل هذه الفئات والسلطة ليس بيدها والقرار للسياسيين؟ والجواب... هل الصحافة سلطة ذات قرار؟ قطعاً لا... لكنها تسمى السلطة الرابعة بما لها من تأثير في المجتمعات وعلى أصحاب القرار. وأنا أقول ان الصحافة ليست السلطة الرابعة بل هي السلطة الأولى لفعاليتها في التغيير واتخاذ القرار.
انظر إلى تركيز كل وسائل إعلامنا على أعمال المجلس التشريعي والأداء الحكومي وكأن الكويت ليس بها إلا هاتين الجهتين. وتركيز الإعلام لا تركيز فاعل إنما هو تركيز بتناقل الأخبار وتسليط الأضواء إما نقداً أو مدحاً، ومثل الإعلام كل المؤسسات المدنية الأخرى كجمعيات النفع العام، أو التجمعات، ليس لها حديث إلا نقد أو مراقبة أعمال السلطتين التنفيذية والتشريعية، ليس هذا هو الدور المطلوب... الدور المطلوب أن تكون للمؤسسات المدنية في المجتمع سبق القيادة، يعني مع كثرة جمعيات النفع العام عندنا هل سمعنا أن جمعية ما درست موضوعاً ما، أو أعدت مشروع قانون، أو راقبت تشريعاً ما أو مقترحاً وتبنته تبنياً صحيحاً لتصل إلى إقراره... لو أن كل مؤسسة مدنية انتهجت هذا النهج فهذا يعني أن هناك ثروة عملية ستقدم لمجتمعنا.
نحن كمجتمع نعتمد اعتماد كليا على السلطتين لتأتينا بالإصلاح وهذا ما لن يكون وإن طال بنا الزمان... دقق النظر في طبيعة عمل النواب وكيف يقضون وقتهم وجهدهم، هل تعتقد أن مثل هذا النهج في العمل وطبيعته من الممكن أن ينتج عنه إبداع أو إصلاح؟ تكتفي كل المؤسسات المدنية... جمعيات نفع عام، وتجمعات سياسية وغيرها، بالتنظير ليس إلا، لكن من يقوم باعداد الدراسات والمقترحات للإصلاح ومن ثم يسعى لفرضها عبر هذه المؤسسات على السياسيين؟ وكذا حال فعاليات المجتمع حتى المثقفين منهم... الرجال مجتمعون كل يوم في دواوينهم للتنظير، النساء على الحال ذاته، المثقف عندنا أصبح من يجيد النقد.
فشل تجربتنا الديموقراطية ليس سببه أسس تنظيم هذه الديموقراطية... سببه الحقيقي تركنا لدور المجتمع في قيادة الإصلاح والضغط على السياسيين لإقرار والمضي في هذا الإصلاح.
إن كنا سوف نعتمد على السياسيين في الإصلاح فهذا هو الفشل المحقق وقد ذقنا مرارته منذ عقود، وتستمر طعم هذه المرارة بأفواهنا ما لم نفهم حقيقة العمل الديموقراطي وأسس نجاحه ونسير دربه.