أمجد عرار

كثيراً ما تغنّينا بلبنان ووصفناه بrdquo;سويسرا الشرقrdquo; لا لجماله فحسب، بل لنظامه السياسي الذي يراه البعض ديمقراطياً، ربما استناداً للديمقراطية الغربية، أو قياساً بما هو عليه الحال في البلاد العربية التواقة شعوبها لديمقراطية ترتدي زي الخصوصيّة .

عن أي ديمقراطية نتحدّث؟ الاتحاد السوفييتي أقام نظامه، والمنظومة الاشتراكية وأحزابها، على المركزية الديمقراطية أساساً لإدارة صيغتها الاشتراكية، ودول في الفلك نفسه أقل تطوراً طرحت الديمقراطية الشعبية، وكلّها يجمعها الأساس الطبقي القائم على أساس تحالف قوى الشعب ابتداء بالطبقة العاملة وانتهاء بالفلاحين، وما بينهما من شرائح البرجوازية الوطنية . الغرب لديه ldquo;ديمقراطيةrdquo; أخرى تقوم على التعددية الحزبية القائمة في المرحلة الرأسمالية على المزاحمة الحرّة، وفي المرحلة الإمبريالية على الاحتكارات المدارة من الطغم المالية، ولذلك لا نرى فرقاً فعلياً عند تداول السلطة في كل الدول الامبريالية، سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية .

نحن عندنا بلد اسمه لبنان . . لديه حرية في التعبير ووسائل الإعلام لا تضاهى فحسب، إنما تتفوّق على كل ldquo;الديمقراطياتrdquo; الغربية . لكن الحريات شيء، والديمقراطية شيء آخر، ذلك بأن الديمقراطية والطائفية السياسية خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا في أي نقطة قريبة أو بعيدة . ماذا عن الديمقراطية التوافقية؟ لا يوجد شيء كهذا، وإن وجد ما يستدعي هذه التسمية فهو مجرد هدنة تعطي الطوائف وأحزابها فرصة التقاط الأنفاس لجولة جديدة من الصراع . عندما تلتقي التركيبة الطائفية والمذهبية والمناطقية والعائلية والطبقيّة على أرض تتجاور مع أرض يحتلها عدو كrdquo;إسرائيلrdquo;، ينشأ بالضرورة مشروعان سياسيان يتناقضان في كل تفاصيل التعاطي مع هذا ldquo;الجارrdquo; بنظر فريق بعض رموزه يتفاخر بالتعاون معه، والعدو بنظر فريق حاربه ورأى فيه عدواً لكل لبنان وكل العرب .

يعود الجدل بدرجة ldquo;انقسامrdquo; هذه الأيام، وأسئلة الديمقراطية في الواجهة . كيف تنسجم الديمقراطية مع ldquo;إما أنا أو الفتنةrdquo;؟ هل هي ديمقراطية أم مناكفة تلك التي تولّي عليها من لا خبرة له؟ أي ديمقراطية تلك التي تحكم بالرجم على ldquo;فلانrdquo; إذا تمت تسميته رئيس حكومة؟ وعندما نعود إلى تاريخ هذا ال ldquo;فلانrdquo; نجده ابن أحد زعماء الاستقلال، وأخ شهيد مشهود له، وإذ أسقطه الشارع في لحظة عاطفية محبوكة جيّداً أتت الوقائع لتُسقط كل الأسباب التي أسقطته . أي ديمقراطية التي تسمح لصاحب صحيفة سوابق في الإجرام والقتل، أن يخرج من السجن زعيماً سياسياً يملأ الفضاء توتّراً وصراخاً عن الدولة والعدالة والاستقرار، ويسبق أمريكا وrdquo;إسرائيلrdquo; في التلويح بحصار دولي على بلده؟ أي ديمقراطية هذه التي تعترف منابرها بأحطّ أنواع الكلام المشبع بالتحريض الطائفي والمذهبي في بلد يكفيه عود ثقاب؟ أي ديمقراطية هذه التي يبنيها المال السياسي، وتتعامل مع بلد بكامله كأنه ملكية خاصة؟

إذا كانت الديمقراطية أن يبقى المسربل بالإدانة زعيماً أبدياً، فليطأطئ من يقبلها رأسه ويأخذ نصيبه، ويبحث من يرفضها ويعجز عن تغييرها، عن مكان له في غابة الأمازون، فهناك يعيش، على الأقل، في بيئة صادقة مع نفسها .