محمد عبد الجبار الشبوط

lrm;ضرب العالم العربي الرقم القياسي في سوء معاملة المكونات الاقل عددا والاكثر حرمانا، مؤكدا عمق تخلفه الحضاري الذي لم يخرج منه بعد

lrm;يكاد يصدق القول بعدم وجود مجتمع او بلد صاف من حيث الانتماء العرقي او الديني او المذهبي او اللغوي او ما شابه ذلك. معظم المجتمعات البشرية الراهنة تمتاز بالتعددية في هذه المجالات. وفي كل مجتمع من هذه المجتمعات توجد اكثريات تقابلها اقليات. وغالبا لا توجد اكثرية واحدة مقابل اقلية واحدة، ذلك تبعا لتعدد معايير القياس والحساب.
lrm;في العراق مثلا، توجد، من الناحية العرقية، اغلبية عربية، مقابل اقليات كردية وتركمانية وآشورية وغيرها. وتوجد، من الناحية الدينية، اغلبية اسلامية، مقابل اقليات مسيحية ويهودية واديان اخرى. وتوجد من الناحية المذهبية، اكثرية شيعية، مقابل اقلية سنية. وهكذا، يضم العالم العربي اكثرية عربية- اسلامية- سنية، مقابل اقليات كردية وبربرية وزنجية وشيعية ودرزية ومسيحية (بطوائف المسيحية المختلفة) وغيرها.
lrm;ولا مشكلة في هذا التعدد والتنوع، لأنه، لو احسن التعامل معه، قد يكون مصدر ثراء وعطاء في المجتمع.
lrm;منذ بداية القرن العشرين ظهرت ما سمي بالدولة القطرية في العالم العربي. دول تم رسم حدود معظمها على اساس معاهدة سايكس بيكو. وتضم هذه الدولة داخل حدودها تنوعا عرقيا ومذهبيا ودينيا كبيرا، اضافة الى الاكثريات العربية المسلمة بطبيعة الحال.
lrm;كان على النخب السياسية في هذه الدول، وهي في غالبيتها نخب عربية مسلمة، ان تقود عملية اندماج اجتماعي في دولها، على اساس هوية وطنية تقوم بانتاجها هذه النخب، تتفاعل مع الهويات الفرعية لجماعات الاقليات دون ان تصادرها وتقمعها. قد عبر الملك فيصل الاول في العراق مثلا عن رغبته بتكوين شعب عراقي متجانس ومندمج انطلاقا من مكوناته الثلاث الكبرى وهي: العرب السنة والعرب الشيعة والكرد، مع ملاحظة ان جميعهم مسلمون. فهم اكثرية اذا اعتمدنا العامل الديني.
lrm;لكن نحا القومي او السلطاني لهذه الدول في البداية، ولاحقا الفكر الاسلامي الجهادي، منحى منغلقا طاردا تجاه هذه الاقليات، وكأن الاغلبية العربية الاسلامية ترفض ان تتشارك معها في دولها القطرية مكونات اجتماعية تختلف عنها في هذا العامل او ذاك. فتحدث حزب البعث العربي الاشتراكي مثلا عن تطهير العالم العربي من غير العرب، كالاكراد في العراق والبربر في الجزائر والسود الافارقة في جنوب لبنان. واليوم يتجه الاسلاميون الاصوليون المتطرفون الى تصفية المسيحيين تصفية جسدية بامل دفعهم الى ترك اوطانهم، كما يحصل الان في العراق ومصر.
lrm;كان هذا مظهرا قاسيا من مظاهر تخلف الاكثرية العربية الاسلامية في العالم العربي، حيث ان احد معالم قياس التطور الحضاري في أي مجتمع يتمثل في كيفية تعامل الاكثرية مع الاقليات والشرائح الضعيفة في المجتمع، كالمكونات العرقية والدينية والمذهبية الاقل عددا، والنساء والاطفال والاكثر حرمانا. وقد ضرب العالم العربي الرقم القياسي في سوء معاملة هذه الشرائح جميعا، مؤكدا عمق تخلفه الحضاري الذي لم يخرج منه بعد.
lrm;يؤدي ذلك، من بين امور كثيرة اخرى، الى تفكير الاقليات بالانفصال عن الاكثريات، والاستقلال بوحدات سياسية مستقلة او شبه مستقلة، هربا من سياسات التمييز العنصري او المذهبي والظلم والاقصاء التي تمارسها الاكثرية ضدها.
lrm;حدث هذا في العراق، ويحدث في الجزائر. ويتخذ الامر صورة اكثر حدة في جنوب السودان، حيث قرر السود هناك، واغلبهم غير مسلمين، الانفصال عن الشمال العربي المسلم، الذي لم يستطع ان يحسن شراكتهم وضيافتهم وخصوصيتهم، ليكون السودان اول بلد عربي عضواً في الجامعة العربية ينقسم الى دولتين، تعبيرا عن عدم قدرة اغلبية عربية مسلمة على اقامة حياة شراكة مع غيرها من الناس ممكن لا يشاركونها في الدين او العرق او اللغة.