عبد الرحمن الراشد

قبل نحو عامين اهتزت طهران على وقع أقدام المتظاهرين الذين قرروا الاحتجاج على تزوير الانتخابات، وسرقة أصواتهم، واعتبار حكم نجاد غير شرعي. واليوم تهتز تونس ورام الله وبيروت ومصر والأردن، وبقية العواصم تستعد للمواجهة.

سياسيا، أراها خريطة مقسومة بحد السكين إلى نصفين، نصف إيراني ونصف ضد إيران. كل الاضطرابات الأخيرة وقعت في النصف الثاني. سقط بن علي تونس، وأقصى زعيم حزب الله حكومة سعد الحريري، وشُنت حملة تشويه خطرة ضد حكومة محمود عباس، وانهمر جمهور laquo;الفيس بوكraquo; وlaquo;التويترraquo; إلى ميدان التحرير في القاهرة مع قائمة مطالب تريد إسقاط النظام المصري حكومة وبرلمانا، ولم يوقف التراجع عن رفع الأسعار في الأردن المتظاهرين الذين حملوا قائمة طويلة، يطلبون فيها من الخبز إلى قطع العلاقات مع الولايات المتحدة.

هل هي حرب بين نصفي الخريطة في الشرق الأوسط، معسكر إيران ضد معسكر معاد لإيران، أم مجرد صدفة؟

بعضها نعم بتدبير واضح، وبعضها مصادفات بحتة، قد يتم تصعيدها واستغلالها. تفجير الكنيسة ليس صدفة بالتأكيد، الأدلة تشير إلى وكيل إيران على الحدود المصرية، أي حماس. كما أن الهجوم الدعائي المتزامن على السلطة الفلسطينية في رام الله أيضا لم يكن عملا شعبيا من تدبير laquo;الفيس بوكraquo; أو laquo;التويترraquo;، بل من عمل موظف شُجع على سرقة الوثائق. وقبل هذه الزلازل طبعا لا ننسى أن إيران أسقطت الخيار العراقي واستولت على العراق سياسيا، برفض إياد علاوي وتنصيب نوري المالكي. وفي الوقت الذي تخرج فيه قطاعات الجيش الأميركي من العراق تدخل قوات الأمن الخاصة الإيرانية؛ أمر أعلن عنه علانية في العراق بحجة حماية الحجاج الإيرانيين.

أيضا لم يكن طرد زعيم أغلبية السنة في لبنان من رئاسة الحكومة مصادفة، ولا عملا شعبيا، بل هو تدبير صريح سعى أصحابه منحه التأييد الإقليمي بتوسيط السعودية التي رفضت وانسحبت، وبعد أن أعلن القطريون والأتراك عن توسيطهم، أيضا انسحبوا، عندها جرى وضع اليد بالقوة السياسية وأُبعد زعيم السنة. هذه الأحداث لا يمكن تصنيفها مثل الحالة التونسية الشعبية.

النصف الثاني من الخريطة في منطقة الشرق الأوسط يعيش حالة ملتهبة جدا، في وقت تتقدم فيه قوات النصف الأول في كل مكان تقريبا، مما يوحي بأننا نشهد هزيمة كاسحة هنا، وانتصارا ساحقا للمعسكر الإيراني، بغض النظر عن حساب النقاط والنتائج النهائية، والنتيجة النهائية في تونس مثلا أن من يحكم البلاد اليوم فعليا لا يزال نظام بن علي، وإن كان الرئيس الهارب يعيش في دار الضيافة في جدة، حيث يقود رجالاته الحكومة مثل محمد الغنوشي، ويسيطر على الوضع قائد الجيش، ولا يزال المتظاهرون والمعتصمون الشباب يتناولون ساندويتشاتهم على الأرصفة المقابلة لمباني الحكومة التي يصرخون أمامها مطالبين بإسقاط كل النظام لا رأسه فقط.

باستثناء لبنان، التغيير السياسي في إطار الإقليم والتصنيف الدولي ليس كبيرا، لكنه مقلق. والمقلق أن الفوضى والحرائق دبت في تونس ومصر والضفة الغربية ولبنان والأردن لا في إيران، التي كان متوقعا أن تسقط أولا لأنها تعتبر القلب النابض للفوضى، والممول الرئيسي للفكر والحركة والعتاد لما يحدث في عالمنا العربي. إيران تنعم بهدوء أفضل، وتستمر في تقليم أظافر معارضيها في الداخل وتعدم بلا خوف ولا رحمة من وقف ضدها، حتى إنها أعدمت شابين أدينا بتوزيع صور مهينة للرئيس نجاد. أيضا تنعم بانتصارات عديدة في الخارج.