سمير عطا الله

قرأت في laquo;البيانraquo; كتاب laquo;سيرة عائليةraquo; للسيدة تحية جمال عبد الناصر. ولو لم يكن الكتاب بخط يدها لما صدق أحد أن زوجة في بساطتها، صرفت كل ذلك الوقت في تدوين يوميات laquo;منشية البكريraquo;. سيدة بسيطة ومتواضعة، لدرجة أنها تعترف بأنه أغمي عليها في أول لقاء لها مع ضيف رسمي. وكاد يغمى عليها في اللقاء الثاني. وأما في الثالث فكان طبيب العائلة قد أعطاها المسكن سلفا.

يفهم من مذكرات السيدة تحية أن الأستاذ محمد حسنين هيكل كان، بعد المشير عامر، أقرب الناس إلى laquo;الرئيسraquo;، كما تشير إلى عبد الناصر في كل المواقف. أما القريب الآخر، وفق المذكرات، فكان نائبه، أنور السادات. وعندما كانت تريد الاطمئنان حقا على صحة عبد الناصر وهو يعالج في روسيا، كانت تسأل اثنين: هيكل والسادات. وعندما كانت تقلق على صحة السادات كانت تستأذن الرئيس في القيام بزيارته. بل إن الرئيس لم يخبرها بأن السادات لم يكن في ثورة 23 يوليو وإنما هو الذي طلبه laquo;لأنه يحبناraquo;. كانت السيدة منى عبد الناصر قد اتهمت السادات بالتآمر لقتل والدها مما حمل عائلة الأخير على مقاضاتها. وذهبت العائلة إلى القضاء أيضا ضد هيكل لأنه طرح الشك حول آخر فنجان قهوة، قال إن السادات أعده له بيده، وقدمه له، وتلت ذلك وفاة زعيم مصر. مذكرات تحية عبد الناصر، تقدم صورة عديدة الاختلاف والتناقض، مع أقوال الأستاذ هيكل والسيدة منى عبد الناصر: laquo;رجع الرئيس (من مطار القاهرة) في الثانية عشرة. وحضر الطبيب الخاص ودخل له. وكنت سأدخل للرئيس. ووجدت الدكتور يجري له فحص رسم قلب. فرجعت ولم أدخل له في الحجرة. ثم بعد ذلك خرج الرئيس مرة ثانية لتوديع أمير الكويت. رجع الرئيس من المطار في الساعة الثالثة بعد الظهر. وعند خروجي من حجرتي وجدت ابنتي هدى تستعد لتذهب إلى بيتها بعدما انتهت من الشغل حيث تعمل سكرتيرة منذ عام. قالت لي هدى بصوت خافت إن بابا تعبان وسينام. وقال هو تعالي يا تحية وأشار لي بيده وهو راقد على السرير. بقيت نحو عشر دقائق وهو راقد لا يتكلم. وحضر الدكتور الصاوي حبيب فقال له الرئيس ادخل يا صاوي، فدخل، وقمت له كعادتي عند دخول الأطباء الحجرة. وخرجت إلى المكتب، فقال الدكتور نريد عصيرا. فذهبت وأحضرت عصير برتقال وليمون وجهزتهما بنفسي بسرعة. وحملتهما ودخلت إليه في الحجرة. وقلت هذا برتقال محفوظ وليمون طازج، فقال سآخذ برتقالا. وشرب الكوب وأنا واقفة. وقال لي، متشكر. خرجت من الحجرة وجلست في حجرة المكتب. وبعد دقائق حضر طبيب اختصاصي، منصور فايز. فقلت له بالحرف: (انت جيت ليه دلوقتي يا دكتور. أنا لما باشوفك بعرف أن الريس تعبان). بعد ذلك جاء طبيب ثالث. وصار بكاءraquo;. ودخلت تحية تلبس ثياب الحداد وتطلب شيئا واحدا، أن يكون مرقدها إلى جانبه. وكان العصير، لا القهوة، هو آخر ما شرب الرئيس.