صالح عبد الرحمن المانع

انهارت حكومة الرئيس سعد الحريري بعد انسحاب أحد عشر وزيراً من وزرائها الثلاثين قبل أسبوعين، ومثَّل هذا الانسحاب عملية احتجاج لأحزاب 8 آذار ضد احتمال إصدار مذكرة توقيف بحق بعض المتهمين في اغتيال المرحوم رفيق الحريري.

وقد جاءت الخطوة الاستباقية من قبل quot;حزب اللهquot; للضغط على المحكمة الدولية حتى لا تصدر مثل هذه المذكرات القضائية، واتهم الحزب هذه المحكمة بأنها مسيّسة وأنها اعتمدت على إفادات مشكوك في صحتها، من قبل من يسمّيهم الحزب بـquot;شهود الزورquot;. وكان أعضاء الحكومة من المحسوبين على الحزب يرمون إلى حمل حكومة سعد الحريري على التنصّل من أحكام هذه المحكمة ونزع شرعيتها، لا بل وتقديم من يسمون بـquot;شهود الزورquot; إلى القضاء لمحاكمتهم.

والحقيقة أن لبنان قد عانى كثيراً من الاغتيالات السياسية، ففي تاريخه الطويل سقط أكثر من مائتي شخصية سياسية وعامة بفعل هذه الاغتيالات. وفي مقابل ضعف الحكومة اللبنانية، لم تقدم السلطات القضائية على القبض على هؤلاء القتلة وتقديمهم إلى محاكمات عادلة، إلا في حالات قليلة.

ولكن الوضع اللبناني المحتقن وإسقاط الحكومة لا يعودان إلى موضوع المحكمة الدولية بشكل رئيسي، وإن بدا أن هذا هو السبب الظاهر فالوضع اللبناني معقّد إلى حد كبير، وتحاول بعض القوى الإقليمية استخدام لبنان كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الدول الغربية.

وباستخدام الورقة اللبنانية تحاول تلك القوى وحلفاؤها الضغط على الدول الغربية وتحويل محور اهتمامها بعيداً عن لبّ المشكلة أو التفاوض.

وقد تلت هذا الانهيار وساطات إقليمية ودولية متعددة شارك فيها كل من تركيا ودولة قطر وسوريا وفرنسا، ولم تنجح هذه الاتصالات في إعادة الفرقاء اللبنانيين لتشكيل الوزارة برئاسة الحريري. بل طرح تحالف 8 آذار ثلاث شخصيات سياسية لتولي منصب رئاسة الوزارة. وحينما عارض العديد من القوى النيابية تسمية أحد المرشحين، وافقت لصالح ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي، كرئيس جديد للوزراء، وقد عارضت كتلة quot;تيار المستقبلquot; مثل هذا الترشيح واعتبرت أنه تم بضغط وتهديد من quot;حزب اللهquot;، ما حوَّل تصويت جزء كبير من كتلة جنبلاط لصالح المرشح الجديد، بعد أن تفككت الكتلة القديمة، وفقدت نصف أعضائها. وبعد يومين من المداولات النيابية، حصل ميقاتي على ترشيح 68 صوتاً مقابل 60 صوتاً لسعد الحريري.

ولا شكَّ أنَّ ميقاتي سيواجه صعوبات واستحقاقات عديدة، منها قدرته على جذب المعارضة الجديدة إلى صف حكومته والأخذ باتِّفاق الدوحة، الذي ينص على وجود ما يُسمَّى بـquot;الثلث المُعطِّلquot;. ولكن مثل هذه الوزارة لن تكون قادرة على اتِّخاذ قرارات جوهرية. وأغلب الظنِّ أن تتكون حكومة تكنوقراط يرأسها ميقاتي. وستعود مشكلة المحكمة الدولية وتطلّ برأسها مجدداً على وزارته، كما أنَّ مشكلة سلاح quot;حزب اللهquot; ستكون موضوع نقاش حاد داخل الحكومة الجديدة.

وقد أعطى حسن نصر الله مهلة للرئيس ميقاتي لمدة عام واحد في السلطة، ويريد الحزب إعادة هيكلة سلطة القضاء في لبنان بما يتناسب مع توجهاته، كما أنَّ لديه أجندة خاصة به، وإذا لم تنفذ حكومة ميقاتي توجهاته، فإنه لن يتوانى عن تغييرها.

والحال أن اللعبة النيابية سواءً في لبنان أو غيره تحتِّم تبادل السلطة على أساس سلمي، وهو عرف متبع منذ استقلال لبنان وحتى الوقت الحاضر.

أما ما استجدّ في الوقت الحاضر فهو استخدام وسائل غير مشروعة، كما يدِّعي المعارضون لهذا الترشيح، من قِبل بعض القوى اللبنانية، حيث يذهبون إلى القول إنَّ هناك فائضاً في القوة لدى بعض القوى اللبنانية، ما سمح لها بفرض إرادتها السياسية على القوى المعارضة الأخرى.

ولا شكَّ أنَّ توازن القوى مطلوب في لبنان، الذي يشارك أكثر من سبع عشرة طائفة في حُكمه. غير أنَّ تاريخ البلاد الطويل يُرينا أنه كلَّما زادت قوة أحد الأطراف بشكل أعظم من جميع الفرقاء اللبنانيين الآخرين، فإن هناك احتمالاً لحدوث استقطاب سياسي للحيلولة دون هيمنة هذا الطرف ولدرء خطر هذا الفائض، ما قد يقود البلاد إلى عدم استقرار سياسي وحروب أهلية.

والراهن أن التدخُّل الخارجي الواضح في لبنان وفرض مثل هذه الإرادة السياسية لا يبشر باستقرار الأوضاع في هذا البلد الصغير. فهو يُستخدم اليوم كميدان للصراع بغية تسخين المنطقة لإبعاد الأنظار عن ملفات إقليمية أخرى، وتخفيف الضغوط الدولية نحوها.

ومفهومٌ طبعاً أن الاستقرار في لبنان لا يعني استقرار النظام الإقليمي العربي فحسب، بل يعني كذلك استقراراً سياسيّاً واقتصاديّاً في بلدٍ يعتمد على الخدمات والسياحة والاستثمارات الأجنبية. وفي غياب هذا الاستقرار سيتراجع كثيرون دون استثمار أموالهم في عقارات لبنان وشركاته. ولعلَّ الدرس الذي استوعبه اللبنانيون خلال تاريخهم الطويل هو عدم قبول التهديد والوعيد ومحاولات الهيمنة من قِبل أي طرف داخلي أو خارجي، فحياتهم وأرزاقهم مرتبطة باستقرار بلدهم وأمانه.

اقرأ المزيد : وجهات نظر | رمال لبنان المُتحرِّكة! | Al Ittihad Newspaper - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=57243#ixzz1CNe4gAyh