إياد الدليمي

كالعادة لم تصدق نبوءة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط عن تداعيات ثورة الياسمين في تونس، عندما سئل عن إمكانية انتقال شرارة الثورة التونسية إلى بلدان عربية أخرى، فرد مستخفا laquo;هذا كلام فارغraquo;.
فلقد أثبتت الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب المصري أنها مازالت شعوباً حية، شعوباً قادرة على تحويل الظلم والقمع والاضطهاد إلى ثورة، ثورة تقتلع كل رموز الفساد من جذورها، أثبت الشعب العربي أن مازال يحتفظ بقدراته الكامنة حيةً، وأنها يمكن أن تنجح في إحداث الفارق، وتغيير الرموز الفاسدة.
للأسف، لم يفهم بن علي، زين العابدين، شعبَه التونسي عندما ثار على البطالة وقمع الحريات، لم يفهم هذا الشعب إلا وهو على وشك المغادرة تاركا
البلاد والعباد، تتنفس هواء الحرية بعد أن جثم على صدرها لعقود طويلة،
ومثله، لا يبدو أن الزعماء العرب فهموا أو يمكن أن يفهموا متطلبات شعوبهم، إلا بعد أن تخرج تلك الشعوب ثائرة تبحث بين الأزقة والميادين والشوارع عن حريتها، عن خبزها عن مصيرها الذي صادرته إرادات الزعماء وأحزابها الحاكمة.
في مصر، شاهد العالم كيف أن هذا الشعب الذي يعيش على الكفاف قد خرج من شرنقة الخوف، مستلهما المثال التونسي الرائع، مستلهما تلك الروح الحية التي بثتها ثورة الياسمين في النفوس، كيف خرجت تلك الجموع وهي تقول بصوت واحد: لا للظلم لا للقمع لا للاستبداد لا لسياسة التجويع.
كل شيء سيتغير في عالمنا العربي، لم يعد هناك من مجال لعدم الفهم الذي قد يدعيه بعض الزعماء، عليهم أن يفهموا، عليهم أن يستفيقوا، وإن كنت ضمناً لا أريد لهم أن يفهموا، أريد لهم فقط أن يغادروا وأن يحجزوا لهم غرفاً بجوار زميلهم بن علي، أنا ومثلي الملايين من العرب لم نعد نريد لهؤلاء الحكام أن يجدوا لهم موطئ قدم في بلداننا، نريد الحرية، نريد أن توزع ثروات شعوبنا بعدالة.
السيد أبو الغيط، وصف انتقال الثورة التونسية إلى بلدان عربية بـ laquo;الكلام الفارغraquo; لا أدري ماذا سيقول الآن وهو يرى تلك الحشود الكبيرة وهي تجتاح شوارع القاهرة والسويس؟ كيف يمكن أن يفسر لنا رأس الدبلوماسية المصرية هذه المشاهد؟
الشعوب العربية انعتقت من عقال خوفها، وراحت تتلمس طريقها نحو الحرية، الشعوب العربية لن تعود إلى زوايا الخوف والليل الطويل الذي ظننا أن فجره لن يطلع من جديد، الشعوب العربية اليوم في غمرة ثورتها لن تركع من جديد، فعلى من يريد أن يفهم أن يسارع إلى الفهم، وإلا فإن العثور على مروحيات لتقله إلى جزيرة سردينيا، ربما لن يكون ممكنا.
على هذه الزعامات أن تعرف أن شعوب اليوم العربية ليست كالتي كانت موجودة حتى قبل عشرة أعوام مضت، وبالتالي فعلى تلك الزعامات أن تتغير أيضا، وأن تدرك جيدا، أن أساليبها القمعية التي كانت تعرفها قبل أعوام لم تعد نافعة، وأن قطار التغيير قد فاتها، ولم يعد في الإمكان أن تكون هذه الوسائل القمعية للشعوب نافعة، أتمنى مرة أخرى أن لا تفهم الزعامات العربية ذلك، حتى يجبرها الشعب على المغادرة والمغادرة فقط.
اعتقدَ أبو الغيط وغيره الكثير، أن ما حصل في تونس لا يمكن أن يحصل في مصر، اعتقدوا أن مصر وموقعها ودورها له خصوصية لدى زعامات الغرب، وبالتالي فإنهم لن يتركوهم لوحدهم لمواجهة الشعوب، ولكن الحقيقة أن كل تلك الزعامات العربية سارعت إلى التخلي عن النظام المصري وتركته عريانا وهو يواجه الشعب المضطهد، فهل فهم الدرس النظام المصري، أم أنه ما زال بحاجة إلى مزيد من التظاهرات ومزيد من التصريحات التي تؤكد تخلي الغرب عن النظام؟