جهاد الخازن


كتبت عن laquo;خبطة صحافيةraquo; فقال قارئ إن بعض ما أكتب يوحي بأن المقال laquo;مدفوع الثمنraquo;، وكتبت عن تونس فقال قارئ آخر إن المقال يفسر بأنني واحد من laquo;كتاب البلاطraquo;.

أرجو أن أحسم الموضوع مع القراء جميعاً، فلو كان هناك دفع أو قبض فأنا الذي أدفع، وأتبرع من مرتّبي، وأتحدى أي إنسان في العالم أن يقول إنه دفع لي شيئاً. ثم إنني لست كاتب بلاط أو شاعر بلاط أو غيره، ولا أدري أي بلاط أشار اليه القارئ العزيز، فقد كتبت عن زين العابدين بن علي ولا بلاط هناك، إنما هو laquo;يُبلِّطraquo; شوارع، بالمعنى اللبناني انه عاطل من العمل.

القارئان اللذان بدأت بهما لم يقصدا التجريح، وأرجح معهما حسن الظن، غير أن ثمة نوعاً آخر من القراء توقفت عن المحاولة معه، وانما أتركه يبدي رأيه، لأن هذا حقه، ولا أناقشه، لشعوري بأن النقاش سيكون نوعاً من العبث.

وفي جميع الأحوال، فأنا لم أدّعِ يوماً ولا أدعي اليوم أنني أملك ناصية الحقيقة، وان رأيي وحده صحيح، فمثل هذا الكلام يعني ان صاحبه متطرف وقد أعماه تطرفه عن سماع ما يقول الآخرون، ناهيك عن قبوله كله أو بعضه.

ونشرت laquo;الحياةraquo; تعليقات كثيرة من القراء على مقالتي عن مريم وعيسى والمسيحيين وعهدة رسول الله وكذلك عهدة عمر بن الخطاب للنصارى، وتلقيت مباشرة رسائل كثيرة أخرى رددت عليها كلها. ولن أزيد اليوم سوى انني لا أهمل رسالة أبداً، وإنْ فعلت تكون الرسالة قد ضاعت في البريد الإلكتروني، ففيه مئات رسائل البيع والشراء والنصب والاحتيال من مصادر مجهولة، وإن غبت عن مكتبي يومين فقد أعجز عن رصد البريد كله، وتضيع رسائل في الزحام.

وقد حدث غير مرة أنْ كنت مسافراً، و90 في المئة من سفري للعمل، ووقع أمر مهم جداً يستحق التعليق، وأنا بين أرض وسماء، كما حدث في موضوع سقوط الرئيس التونسي، وكاد يحدث مع تسريبات laquo;الجزيرةraquo; عن تنازلات مزعومة من السلطة الوطنية في المفاوضات مع اسرائيل (كلمة laquo;مزعومةraquo; هنا تعكس تدريبي على الصحافة بالانكليزية، فالتهمة لا تثبت إلا بقرار رسمي أو من محكمة، لذلك نظل نقول laquo;المتهم المزعومraquo; الى أن تعلن محكمة الإدانة أو البراءة).

في موضوع تونس انتظرت حتى عدت الى لندن، وفي الموضوع الفلسطيني كتبت مستعجلاً، إدراكاً مني أنني سأغيب أسبوعاً في دافوس، وهناك عمل قد يبدأ مع فطور في السابعة صباحاً، وقد لا ينتهي قبل منتصف الليل، وهذا مع حرارة متدنية تصل أحياناً الى 20 تحت الصفر.

سأعود الى موضوع تونس بعد سنة كاملة لأحكم على ما نشرَتْ صحف العالم على الموضوع، وعلى بريد القراء، وعلى نفسي مع الجميع، وعند ذلك نعرف من أخطأ أو أصاب.

ما أقول اليوم هو ان قراء كثيرين أرادوا ان يعرفوا اسم الدول الثلاث أو الأربع التي قلت إن زعماءها يستحقون مصير زين العابدين بن علي. وطبعاً كان هناك من اتهمني بالجبن، وحتى بمراعاة خاطر الرئيس المخلوع بعد خلعه.

هذه النقطة مفيدة لذاتها، ولأنها تتكرر مع مواضيع مماثلة، فأنا لم أنشر أسماء الدول التي أشرت اليها، لأن النشر يعني أن تُمنع laquo;الحياةraquo; في هذه الدول يومَ النشر، وأحياناً لأجل غير مسمى.

وأرفض إطلاقاً أن يركبني الغرور فأعتقد أن رأيي، وهو قد يكون خاطئاً، أهم من مصلحة الجريدة كلها، ولا أعتقد أن سطراً في مقال، حتى لو كان صاحبه شكسبير، يستحق أن تُمنع الجريدة كلها بسببه.

أرجو أن يكون في ما سبق بعض الفائدة، فأكمل بشيء إيجابي عن بلداننا العربية في زمن ندرت فيه الإيجابيات.

كتبت غير مرة عن اهتمام الصحافة الأجنبية بالسياحة في بلادنا، وما كدت أكتب قبل أيام حتى تلقيت ملحقاً لجريدة laquo;الصنداي تلغرافraquo; عنوانه laquo;50 منتجعاً ثقافياً عظيماًraquo;. وخفت أن تكون الثقافة تجاوزتنا، فقرأت بقلق وقلّبت الصفحات وأنا أرى تاج محل في أغرا وآثار برشلونة والمدينة الممنوعة في بكين. وتنفست الصعداء مع قصر وجامع قرطبة العظيم المشهور، إلا انني تذكرت انهما في إسبانيا.

حصة العرب بدأت مع مصر الفرعونية كما توقعت، وبعدها دمشق وحلب والجامع الأموي والطريق (الصراط) المستقيم وأسواق حلب وقلعة سمعان، وأكملت مع القدس، والآثار المختارة فيها كلها مسيحية أو إسلامية، باستثناء حائط المبكى، ثم بترا وأمرها معروف. وكانت هناك معلومات عن الجيران، إسطنبول وطهران.

كنتم خير أمة أخرجت للناس، أما اليوم... اليوم هو الأحد.