علي الظفيري

لماذا يقلق بعض الناس في قضية الإصلاح وينشغلون بها أكثر من غيرهم، أعني بشكل خاص في الدول الخليجية التي يبدو فيها الإصلاح مطلباً مُلحّاً أكثر من غيرها، ولماذا يكون الكلام عن البعض وليس عن الكل، مثل القول إن الحاجة ملحة في دولة دون سواها رغم تماثل الظروف والتكوين، هل اجتمع الناس وقرروا الحديث عن البحرين والسعودية والكويت والامتناع عن تناول الأوضاع في قطر والإمارات وعمان على سبيل المثال، هذان سؤالان أساسيان في فهم النقاشات الجارية وحالة الاحتقان القائمة بين فئتين إحداهما تنادي بالإصلاح والأخرى تنظر لهذا الاهتمام والانشغال بارتياب كبير، ويؤسس هذا الارتياب والتشكك في شكل ومضمون الجدل الدائر في المنتديات العامة على أرض الواقع وفي فضاء الإنترنت.
في الإجابة على التساؤل الثاني علينا أن نفهم أمرا أساسيا، لم يختر أحد من تلقاء نفسه وبشكل انتقائي الحديث عن البحرين، لم يستيقظ في الصباح ويقرر انتقاد السلطة في البحرين لأنه يريد انتقادها فقط، أو لأنه وجد رسالة في هاتفه تقول: علينا مهاجمة البحرين! هناك قضية كبرى في البلاد، عشرات الآلاف نزلوا للشوارع محتجين وسلطة وقفت على الطرف الآخر في مواجهتهم، وفئة أخرى من المجتمع وقفت في مقابل الطرفين، هناك انقسام شعبي كبير وغير مسبوق وحالة احتقان طائفي لم تعهدها الدولة الصغيرة الهادئة وأهلها الطيبون المتسامحون، هناك نقاش في كل مجلس خليجي حول ما يجري في البحرين، وهناك خوف وترقب لما سيجري، والحديث عن الشأن البحريني من هذا المنطلق أصبح طبيعيا ومفهوما، بل إن تجاهل الحديث عنه يبدو مستغربا وغير مفهوم، نتفق إذن على أن قضية كبرى فرضت نفسها وتداعى الناس لتناولها، من دون نوايا سيئة ومسبقة، وبدون أن يكونوا جزءا من المشروع الصفوي، وبدون أن يدفعهم أحد لذلك، وبمحبة حقيقية للبحرين وأهلها جميعا، والمحبة هنا لا تفترض الاتفاق في الرأي والرؤية، فـ laquo;صديقك من صدَقك لا من صدّقكraquo;!
السعودية بلد كبير ورئيسي في المنطقة، ونشعر كمواطنين أن الإصلاح السياسي الشامل بات ضرورة ملحة، ولو صمت الواحد منا لن يتوقف حديث الإصلاح والتطوير، فهو سابق ولاحق، هذا الحديث أصبح حالة عامة ينشغل بها كثير من الناس، ولا أحد هنا يختلق المشاكل أو يريد تشويه الصورة، لا أحد يقول إن حالة النظام السوري أو المصري أو التونسي أو اليمني مماثلة لما نعيشه، قطعا لدينا في البلاد ظروف أفضل من تلك البلدان نتيجة الوفرة المالية وعائدات النفط ونتيجة الطبيعة الاجتماعية التي تميز حالتنا عن غيرها، ولكن لدينا طموحات مماثلة في التحسين والتغيير نحو الأفضل، والنقد مهما ارتفع سقفه ما هو إلا تعبير عن رغبة كبيرة برؤية البلاد في الموقع الذي يليق بها.
لكنكم لا تتحدثون عن قطر، وهي ليست دولة ديمقراطية على سبيل المثال، والجزيرة قناتكم لا تتناول الشأن المحلي القطري، العبارات السابقة تقابلك عند أي نقد تسجله على الحالات الأخرى، وأصحابها لا ينطلقون من دعم الديمقراطية وقبول الرؤية النقدية التي تقدمها، بل من باب المناكفة واعتقادا منهم بالإحراج الذي يسببه هذا الطلب، يظن هؤلاء أنك تقيم في هذه البلاد وتعمل في هذه المؤسسة الإعلامية من أجل المال، ولا يعلمون أن قنوات الطرب والرقص تعود بالنفع المالي على أصحابها أكثر مما تفعل القنوات الإخبارية الكبرى، والأولى ليست موجودة في قطر على كل حال! وهذه مناسبة للرد على هذا الأمر بشكل مباشر، من يتحدث عن الاحتقان السياسي في الكويت ونزول الناس إلى ساحة الإرادة لا يختلق هذا الأمر، ولا يتبرع بتوجيه النصائح للكويتيين الرواد في الإعلام والعمل البرلماني، إنه يفعل ذلك معلقا على ما يجري ويتحدث به أهل تلك البلاد، ومن يعلق على القتل والمحاكمات والاحتقان الطائفي في البحرين لم يختلق ذلك أو يتبرع بالحديث عنه، هذه قضية عامة يتحدث بها أهلها ويطالبون بها، ولا يحق لأحد أن يطرح موضوعا ما لم يتصدَّ أهله لذلك، لا نتطوع للحديث عن الهم الجزائري على سبيل المثال لأن الناس لم يفعلوا ذلك، بل فعلوه في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أقصد أنه هم طافح وظاهر للعيان، وهناك ثلاثة عوامل رئيسية يمكن عبرها الفرز بين الدول، درجة الرفاه التي يعيشها المجتمع، وطبيعة السياسة الخارجية للدولة ومدى توافقها مع الرأي العام المحلي والعربي، وطبيعة الحكم ودرجة استبداده، ولا ضرورة لعرض الأحوال هنا فهي معروفة وماثلة أمام الجميع.
سؤال الانشغال بالإصلاح لا جواب حاسما عليه، ليست الفروق الطبقية ولا درجة التعليم أو الجغرافيا يمكن أن تؤسس لفهم الأسباب التي تدفع البعض للاهتمام بالتغيير أكثر من غيرهم، ربما نجد في جملة المبادئ والعاملَين النفسي والأخلاقي قاعدة جيدة وتفسيرات مناسبة، لكن الأمر المهم أن من ينشغلون بعملية الإصلاح لديهم حياة جيدة ومستقبل واعد وفرص كبيرة حتى في الاقتراب من السلطة والغرف من خيراتها الوفيرة، لكنهم انحازوا للقلق والمساواة بين الجميع والبيئة التي تسمح بحرية التعبير، ولا أحد يعرف لماذا يقومون بذلك، لماذا يتحملون كل ما يتعرضون له من أجل الآخرين، ربما السنوات القادمة كفيلة بتقديم إجابة مقنعة على هذا السؤال!