سمير عطالله


يقول عيسى عبد القيوم إنه كان في السادسة عندما قيل له في المدرسة إن الملكية قد بادت وlaquo;إبليس ولا إدريسraquo;. وأصغى إلى ضابط في السابعة والعشرين ائتمنته ليبيا على نفسها وشعبها ومصيرها، فسمعه يقول: إن كل ما قبله كان استعمارا، وأوصافه هي النهب والقتل والقمع والإذلال والسجون والمشانق والتهجير والاستبداد.
كتب عبد القيوم هذا المقال عام 1996 عندما حول القذافي سجن أبو سليم إلى مقبرة جماعية: laquo;أي خطر كانوا يشكلون عليك في القلاع الحصينة التي أنفقت عليها أكثر مما أنفقت على دور الأيتام ورياض الأطفال؟ كل ما كان يطلبونه هو أن تقلل عدد السجناء في الغرفة الواحدة، وأن ترفع من عدد حبات المعكرونة في شهر رمضان الكريم، وأن يمنحوا أقراص الأسبرين لتخفيف أوجاعهم، وأن تزود حصصهم من المياه، خاصة أيام الجمع. لقد وضعتهم في معتقلات لا تصلح حتى لحجز البهائم...raquo;.
أفاق عيسى عبد القيوم شابا فرأى أن كل الصفات التي منحها القائد للاستعمار أصبحت منبسطة في كل ليبيا: laquo;لقد حرمت الإنسان الليبي حتى من أن يكون له قبر على شبر من أرضه يأوي إليه أحبابهraquo;. فقد أبلغت العائلات بموت أبنائها، وأبلغت في الوقت نفسه أن عليها أن تصمت مثل قبورهم الجماعية: لا جنازات.. لا كلام.. لا تعاز.. لا أحسن الله عزاءكم.
laquo;أفاقوا ذات صباح فإذا بالناس الذين قلت إن الثورة قامت من أجل حريتهم يتدلون من أعواد المشانق، وإذا بالأناشيد العسكرية تملأ الأجواء، وأخبار الحروب على الجيران تتدفق فتحتل العنوان الرئيسي في جرائد الصباحraquo;. تكرارا، هذا كلام كتبه الأديب الليبي عام 1996، قبل 12 عاما من اكتشاف المقابر الجماعية في طرابلس، الواحدة بعد الأخرى. قبل 12 عاما من اكتشاف 17 ألف صاروخ غراد في عنابر العقيد، من كان يريد أن يحارب؟ من كان ينوي أن يحرر؟ كم بلغ ثمن هذه الأسلحة التي تحترق الآن في صحارى ليبيا، في الحرب الوحيدة التي شنها مباشرة: حربه الأخيرة على الليبيين الذين قبلوه زعيما وهو في السابعة والعشرين، وكأنما خلفه فتوحات الإسكندر.
الآن يعرف الليبيون أن الرجل الذي ولد في قرية تدعى جهنم قرب سرت، وجعل حراسه 400 امرأة، أسماؤهن عائشة، أعطى مرتبة فريق في الجيش الليبي لإنسان واحد، هو ابنته عائشة. والقادة كانوا أبناءه. والأيتام كانوا آلاف الليبيين.