جاسم بودي

قد تكون الكلمة الهادئة هي اكثر ما تحتاج اليه الكويت اليوم رغم أن الهدوء laquo;غير شعبيraquo; وغير جدير بمانشيتات الصحف وأخبار المواقع الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي، ومع ذلك فهذه الكلمة ضرورية لمواجهة أصوات العاصفة... خصوصا إذا كانت العاصفة غير طبيعية.
أعرف أن ما أقوله قد يثير حساسيات كبيرة لدى صغار، لكن شيئا ما يحصل لا علاقة له بما عرفناه، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي ولا على مستوى التحركات والاحتجاجات.
حكومة تعيش على ردود الفعل لا على الفعل. لا تملك اي رؤية لتطوير الادارة وتحصين الموازنة وصيانة صندوق الأجيال. تعشق التنازل عند الضغوط وتكيل بمكيالين في التعاطي مع المطالب والحقوق. تهادن هنا وتتشدد هناك فاتحة الباب لمزيد من الفوضى. تساوم وتعقد الصفقات وتغض الطرف وتوافق على تغطية جرائم كبرى وسرقات عصر، مشجعة السراق والفاسدين على التمادي بارتكاباتهم من دون لا حسيب ولا رقيب... تاركة مهمة المحاسبة لغيرها.
رموز سياسية وطنية ديموقراطية نحترمها ونقدرها، أعماها الغضب والعجز عن تغيير ما ترى وجوب تغييره، فتراجع خطابها إلى مستوى خطابات المتطرفين رافعة شعار laquo;من ليس معنا فهو ضدناraquo;، ومقسمة الحياة السياسية الكويتية إلى فسطاطي laquo;الكفر والايمانraquo; أو laquo;الديموقراطية والديكتاتوريةraquo; أو laquo;النظافة والقذارةraquo; أو laquo;الشرفاء والحقراءraquo; أو laquo;الخير والشرraquo;. اليوم هناك من يقول إن من لا يؤيد الاستجواب هو laquo;فاسدraquo; وإن من يصوت مع الإحالة على laquo;الدستوريةraquo; هو laquo;قبيضraquo; وإن من يمتلك رأيا مخالفا هو laquo;انبطاحي انهزاميraquo;... ثم يصل الإسفاف والانحدار والهبوط إلى مهاجمة السلطة الرابعة لأنها تحدثت عن أمور لا تخدم هذا النائب أو ذاك السياسي.
تحركات نقابية مفهومة ومقنعة مهما صاحبها من فوضى، فالقانون هو الحكم مع المطالب وهو الفيصل في التجاوزات. قلنا إن التخبط الحكومي هو السبب الأساسي في اتساع رقعة الاحتجاجات ناهيك بالطبع عن أحقية بعض ما ينادي به الموظفون والعمال. انما لنتوقف عند حالة بعينها هي حالة اعتصام طلبة الثانويات احتجاجا على قرار وزارة التربية تعديل موضوع درجات المعلمين. قيادات المدارس من مديرين ونظار وأساتذة ينظمون اعتصام الطلبة في يوم دراسي ويطلبون إليهم ان يتجمعوا الساعة كذا ويستقلوا الباصات الساعة كذا والتوجه إلى مبنى الوزارة للاحتجاج. من يملك المفاتيح التنظيمية لقيادة تحرك كبير مثل هذا؟ من حضر الباصات ودفع التكاليف؟ كيف يستغل ابن الإدارة كل موجودات الإدارة في عملية احتجاج على... الإدارة؟ والأهم من ذلك كله لماذا تقود الكوادر السياسية الحزبية في الادارة تحركا يبدأ مطلبيا وينتهي لمصلحة التيارات التي ينتمي اليها هؤلاء أو يخدم أجندة هذه التيارات؟
شيء ما غريب عجيب يحصل. لا نريد أن نصدق laquo;نظريات المؤامرةraquo; ففيها ما فيها من إلغاء للعقل العربي، لكننا لا نريد أن نغمض الأعين عن الأجندات الخارجية التي قد تستغل أي تحرك أو فوضى من اجل الانقضاض لاحقا على النظام، خصوصا بعدما فتحنا الباب لأبشع أنواع الانقسامات المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية... وهو ما اعتبرناه في الافتتاحية السابقة نحرا للكويت.
لا، ليست هذه الكويت التي عرفناها، ولا يزايدن أحد علينا في الدفاع عن المال العام والوقوف مع مطالب الناس المحقة، ولا يعتقدن أحد انه سيرهبنا باطلاق عياراته الكلامية ويبدأ بتصنيفنا منصبا نفسه كامرأة القيصر أو معتقدا انه فوق التصنيف، فالفساد لا يتجزأ، ومن تضخم رصيده فجأة هنا كمن تضخم رصيده فجأة هناك، ومن سرق هنا كمن سرق هناك، ومن انتهك المال العام هنا كمن فعل هناك. أما أن اتحدث عن حالة معينة لانها تخدم معركتي السياسية واتجاهل حالة اخرى لحاجتي الى انصار واصوات فهذا هو النفاق بعينه. أن اتحالف مع سارق لان حساباته تتوافق مع حساباتي اليوم فهذه هي الخيانة لقواعدي ولمبادئي. أن اطلق النار واخون واصنف كل من لا يتفق معي فهذا هو العجز بعينه.
لا، ليست هذه هي الكويت التي عرفناها. الضرب يصل الى العظم، ومن لا يرى ذلك اليوم سيراه غدا. الفرقة اقصر طريق الى التناحر والتناحر اقصر طريق الى الفوضى والفوضى اقصر طريق لاستجلاب الأجندات الخارجية... ويبدو أننا لم نتعلم بما فيه الكفاية من تاريخنا ومما يحصل حولنا اليوم.