راجح الخوري

هل من الضروري دائماً ان يغادر الزعيم مقعده الطاووسي الفخم ليلجأ الى حفرة باردة وموحشة مثل جرذ مذعور، بعد أن يكون قد وصف أبناء بلده بالجرذان وعاملهم كالصراصير؟ ثم يصير إخراجه من الحفرة ليلاقي مصيره البائس، ذليلاً أمام المحكمة ومتدلياً من حبل المشنقة كما شاهدنا صدام حسين، وكما تسمّر الناس أمس لمشاهدة معمر القذافي غارقاً في دمائه، حتى آخر قطرة كما سبق ان قال في بداية الثورة؟ يغصّ التاريخ بقصص الزعماء الذين واجهوا هذا النوع من المصير الأسود، وهذا الموت الذي يتم عادة وسط الفرح والزغاريد أو إطلاق النار ابتهاجاً، كما حصل أمس في سرت حول جثة القذافي الذي حكم ليبيا 42 عاماً وكأنها مزرعة له ولأبنائه، وكما حصل عند دخول صدام حسين غرفة المشنقة، بعدما كان الاثنان يأمران بالموت أو بالحياة للمواطنين بإشارة من البَنان.
لقد مات القذافي ليسقط نصف قرن من تاريخ بائس ومهين، ليس في حياة ليبيا والليبيين فحسب، بل في تاريخ كثير من الدول العربية التي قبلت هذا المهرج الأرعن زعيماً يتآمر على الأنظمة ويقرّع الرؤساء في القمم العربية، وكذلك في تاريخ الدول الأفريقية التي تركته ينصّب نفسه عليها ملكاً للملوك مقابل حفنة من الدولارات، وأيضاً على الدول الكبرى التي تتشدق بالديموقراطية ليتبيّن مع انفجار الثورة الليبية أنها كانت على قائمة الرشوة عند العقيد وأبنائه!
السؤال الآن: هل يجد كثيرون من الرؤساء درساً مفيداً لهم ولشعوبهم وهم ينظرون الى صورة القذافي غارقاً في دمائه؟ وهل تجد الشعوب في هذه الصورة درساً يساعدها على عدم التصفيق بعد اليوم للرؤساء والزعماء الجلادين؟ وأهم من كل هذا، هل يستطيع quot;الربيع العربيquot; وحركة التغيير التي تهبّ رياحها في المنطقة ان يبنيا أنظمة ديموقراطية فعلاً على حطام الديكتاتوريات المتهاوية، ديموقراطية تقوم على إرساء سلطة الشعب المنبثقة من انتخابات شفافة عبر التمثيل العام الذي يضع القادة والزعماء تحت رقابة الشعب، وتفتح الأبواب على ضرورة تبادل السلطة وفق الإرادة العامة؟ مع موت القذافي تبدأ المرحلة الأهم، فالقتال في الميدان الليبي بمؤازرة الأطلسيين أسهل بكثير من الاقتتال على كعكة السلطة بين الثوار الذين سيضعون السلاح جانباً، لتبدأ من اليوم وصاعداً عملية بناء السلطة الجديدة. وليس خافياً هنا ان الخلافات بين الثوار على الأدوار والأحجام ليست قليلة، فإذا أضفنا إليها quot;الفواتير الأطلسيةquot; المستحقة ثمنا للعمليات العسكرية، التي لولاها لما تمكن الثوار من إسقاط القذافي، يصبح في الإمكان القول إن quot;المعركة السياسيةquot; ستكون أكثر قسوة من المعارك التي خيضت ضد القذافي من بنغازي الى سرت!
لا ندري أين سيتم دفن القذافي. لكن إذا كان الأميركيون قد اختاروا أعماق بحر العرب مقبرة لأسامة بن لادن، فقد يختار الثوار أعماق الصحراء الليبية مقبرة للعقيد المهرّج الذي حكم ليبيا وأضحك العالم نصف قرن تقريباً!