كمال الذيب

قال صاحبي: إن أخطر ما يصيب حياتنا السياسية ويمنع تطورها بطريقة سلمية، هو وجود أحزاب طائفية، والمصبية الأكبر أنها هي المهيمنة والمسيطرة على الحياة السياسية والاجتماعية في ذات الوقت. ففي الفترة الأخيرة، توسع تأٔثير المشاعر الطائفية والمذهبية على الوعي الجمعي، وأصبحت الأحزاب الطائفية والمذهبية عاملاً حاسماً في سلوكيات الأفراد وتكوين مواقف المواطنين وتجمعاتهم المختلفة من الدولة فما الحل؟ قلت: إذا اتفقنا أن الأحزاب الطائفية سيئة ومرفوضة ومخيفة ومخيبة للآمال، ومفسدة للأحوال، لأنها تسهم في تقسيم المجتمع، وتخريب بنيانه، فإن أقصر السبل لإصلاحها يتمثل في حلها. قال: هذا الحل غير واقعي، لأن حلها وهي مخزون كبير تهيمن على الجماهير، أليس تركها على حالها أو لحالها مهمشة هشة، لتموت بالتدريج هو الحل الأفضل؟. قلت: الطوائف لم تحتكر في يوم من الأيام خدمة الوطن ولا الجماهير، ولم تصادر حق الآخرين في تكوين أحزابهم متى شاؤوا، والطريق إلى الجماهير لا يمر بالضرورة عبر الطوائف، وقد جرب اليساريون والإسلاميون خلال نصف قرن من الزمان أو يزيد، تخطي الطائفة إلى الجماهير من خلال محاولة استقطابها، بعيداً عنها وحققوا قدراً ملحوظاً من النجاح، ولكنه لم يكن نجاحاً كافياً أبداً، ولكن المشكلة أن هنالك من يعجبه ويخدم المصلحة الضيقة وجود تخندق طائفي مخيف، فيعمل على تعزيزه، وتغذيته يومياً، بالمال والوقود الطائفي، وقد عاينا محاولة اليساريين وبعض الإسلاميين، وبكامل إرادتهم، التحالف مع الطائفية لأهداف جمعت بينهم (تتراوح بين المطالب الإصلاحية إلى المطالبة بإسقاط النظام، إلى الإعلان عن الجمهورية!!)، ولكنهم لم ينجحوا بالرغم من شعاراتهم التزيينية، في إخفاء الحشد الطائفي، والشعار الطائفي، بالدمج بين الشعار السياسي والشعار الطائفي واستغلال الجماهير وحشدها وفقاً لمصفوفة الثقافة الطائفية التي يزدحم عليها المزدحمون ويتخطفها ذوو الأجندات. وقد أحيا هذا الفعل حشداً طائفياً في المقابل، في سياق ردود الفعل وإحياء المخاوف العتيدة، بما خلق خندقاً مقابلاً، كان يمكن أن يتطورndash; لا قدر الله- إلى ما لا يحمد عقباه. قال: أليس من سبيل لإصلاح الطائفية الحزبية على الأقل مع ما أضافه لها اليسار من أفكار لا طائفية، خاصة بعد التحالف بين أحزاب المعارضة (طائفية وغير طائفية)؟ قلت: إن منهج إلغاء الطائفية من خلال إصلاح أحزابها حيلة ساذجة، فالطائفة تظل مستودع الجماهير، وهذا إغراؤها. ولذا فإن من رهنوا عضويتهم في الأحزاب الطائفية أو التحالف معها، بإصلاحها بما يضمن لهم جماهيرية الطائفة، دون الالتزام بمقتضياتها أو بثقافتها، اتسمت مواقفهم بانتهازية واضحة؟ قال: ولكن الطائفية قد ترتبط بالسلطة في بعض الأحيان، فكيف يكون الموقف في هذه الحال؟ قلت: هذا هو الوجه الثاني لهذه الانتهازية، والتي لا تختلف كثيراً عن الأولى، ولكن مع ذلك لابد من الاعتراف بأن أي سلطة في العالم ndash; بطبيعة عملها آليات اشتغالها- تتعامل مع الموجود وتستغل كل البنى ndash; بما فيها الطائفية للدفاع عن مصالحها، فالعصبيات الطائفية ضيقة الأفق محكومة بإدامة الانقسام في المجتمع، ومحكومة بإدامة الحرب الباردة بين الطوائف والتأثير سلبا على تعزيز مدنية الدولة على المدى البعيد فما بالك ببناء الديمقراطية الحقيقية، فأقصى ما تنشده الأحزاب الطائفية هو إنزال الهزيمة بالطوائف الأخرى، أو نقل الهيمنة من طائفة الى طائفة أخرى، ولذلك فإن الحل الحقيقي الجوهري هو في حل الأحزاب الطائفية ومنع تأسيس أي حزب على أساس طائفي وتعزيز ثقافة توحيد البنية الوطنية على أساس مدني صرف، ولكن لكي يتحقق ذلك لا بد أن يشعر المواطن بأن انتماءه للدولة يحقق مواطنته الكاملة، إنها عملية مركبة.