مأمون فندي

وامتلأت الميادين عن آخرها بتلك الطاقة العالية، بكهرباء الثورة.. كهرباء مصممة لإنارة الأوطان، ومن يحاول أن يسرق التيار من جماعات العشوائيات الفكرية وضعاف النفوس لإنارة بيته وحده، فسيصعقه التيار الجارف، وربما يحرق بيته ومعه يحرق من حوله. هذا التيار الجارف لإنارة مصر كلها كوطن، وليس لإنارة منتجعات خاصة أو عزب أو مصانع، أو دكاكين خاصة، حتى تلك التي تنتمي لمن يظنون أنهم فجروا الثورة. كهرباء الأوطان تضيء الأوطان فقط، متى ما حاولنا أن نسرق منها لإنارة بيوتنا، حرقناها، ومعها نحرق الوطن أيضا. إنه فارق التوقيت وفارق اللحظة التي فشل النظام القديم في استيعابها، وأرجو أن نمسك بها هذه المرة، كي تشرق علينا أنوار الحرية، الحرية للجميع وليست للجماعة، أي جماعة.

في ليلة 11 فبراير (شباط)، يوم الرحيل ويوم النصر العظيم، تغيرت مصر كلها.. غير النيل اتجاهه، فبدلا من أن يصب ماءه في المتوسط، رأيت النيل يرفع رأسه عند القاهرة كما ثعبان الكوبرا الذي تسيد المشهد الفرعوني. ويعود النيل إلى الوراء إلا قليلا، ليمطر على المصريين من مائه بردا وسلاما، يطهرهم به من رجس حقبة حولت المصري الفصيح إلى مصري قبيح، حقبة حولت أرض الحضارة وأرض الكنانة العظيمة إلى أرض التفاهة وأفكار الدرجة الثانية، حقبة سممت ماء النيل، فلم ينم فيها سوى الحشائش العفنة التي كانت تطفو على سطح الحياة الثقافية والسياسية المصرية. وجاءت الثورة لتنقلنا من حالة العبيد التي عشناها لسنوات، إلى أحرار في سبعة عشر يوما حسوما، ترى فيها الناس سكارى بنشوة النصر، إيمانا بأن هناك عادلا في السماء، وأن ربك لبل المرصاد، فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!

أصبح المصريون أحرارا، عندما تفجرت في المجتمع طاقة لا قبل للناس بها، كهرباء من نوع الضغط العالي، طاقة تصلح فقط لإنارة الأوطان، ومن يحاول أن يسرق هذا التيار فبكل تأكيد ستحرقه وتحرق من معه وقد تحرق بيته، لأن كهرباء الثورة مصممة فقط لتنوير وطن، لا لإضاءة عزبة أو دكاكين خاصة أو شركات، أو بيوت. فأيا كانت قدرة الشركات، وأيا كانت أسلاك البيوت القديمة، فلن تقوى على استيعاب هذا التيار الجارف. لذا أحذر إخواننا، من يريدون أن يركبوا الموجة، من محاولة إلقاء صنارة، أو توصيلة أسلاك غير شرعية لسحب تيار الثورة إلى بيوتهم، فمن يحاول سيصعقه التيار، كقطة تحاول المشي على خطوط الضغط العالي. وهذا ليس تحذيرا للناس فقط، وإنما تحذير للجيش أيضا، الذي أوكلناه عنا لحراسة هذه الثورة وحراسة الوطن، فإذا ما أراد الجيش نفسه أن ينتفع من الثورة بشكل فئوي، أو أن يوصل توصيلة غير شرعية لإنارة بيوت الجيش، فقط ومكتسبات الجيش فقط، فتأكد أن التيار العالي سيحرق الجيش أيضا، لأن هذه الكهرباء العالية، يا جيشنا العظيم الذي نكن له كل التقدير، والذي تصرف بدرجة عالية من الحضارة طوال أيام الغضب، يا أيها الجيش الأبي، إن هذه الكهرباء وهذه الطاقة مصممة فقط لإنارة الأوطان، لا البيوت الخاصة. مهمتكم اليوم، أيها الجيش العظيم، هي منع الأسلاك غير الشرعية من ركوب الموجة أو التوصيل غير الشرعي من كهرباء إنارة الوطن، خوفا على مصر، وحماية للانتهازيين وأصحاب الدكاكين الخاصة من غبائهم ومن أنانيتهم، ومن سذاجتهم. ساعدوهم على تجاوز وهم ما قبل 25 يناير (كانون الثاني) الذي كانت فيه كثير من الدكاكين تنار طوال الليل بكهرباء مسروقة. قولوا لهم إن تحذيرنا الأخير هو التحذير ذاته المكتوب على محطات الضغط العالي. خطر الموت هو أن يحاول أي شخص سرقة كهرباء غير مصممة لإنارة بيوت خاصة، فكهرباء الثورة مصممة فقط لإنارة الأوطان.