ياسر الزعاترة

لم يكن استشهاد مصور فضائية الجزيرة علي حسن الجابر نتاج الانفلات الأمني الذي تحدث عنه نظام العقيد معمر القذافي وأبناؤه، بل هو استهداف مباشر للمحطة وقطر من طرف النظام الذي لم يستوعب انقلاب الشعب عليه وإعلان البراءة منه ومن ممارساته التي أذلت الشعب الليبي العظيم وبددت ثرواته طوال أربعة عقود.
ما جرى كان استهدافا مبرمجا ومقصودا لقطر والجزيرة بسبب الموقف الذي أخذته من الصراع الدائر في ليبيا، وهو موقف لم يتوقف عند التغطية الإعلامية، بل شمل أيضا موقف الدولة أيضا، ولا يستبعد على نظام دموي من لون نظام العقيد أن يذهب أبعد ما يكون في ردة فعله الهستيرية على مواقف من هذا النوع. بل إنني شخصياً لا أستبعد أن يكون استهداف علي الجابر بالذات هو رسالة دموية لقطر أكثر منه لموظفي الجزيرة الآخرين، وبالطبع لأن علي الجابر قطري الجنسية. صحيح أن الاستهداف كان لسيارة الجزيرة وأصاب موظفا آخر، وكان يمكن أن يصيب آخرين، إلا أن الموقف يستدعي نظرة أخرى تبعا لقدرة قناصة محترفين على إصابة أهداف معينة، لاسيَّما أن علي الجابر هو الموظف القطري الوحيد بين الطاقم المحدود الموجود هناك.
في ممارسات العقيد التقليدية حيال المعارضين كان هناك الكثير من الجنون، ففي لندن لم يتورع النظام عن إطلاق النار على المعارضين المتظاهرين أمام السفارة الليبية، الأمر الذي أدى إلى مقتل شرطية بريطانية، كما قُتل عدد من المعارضين في دول أوروبية من بينها بريطانيا لم تصل الشرطة إلى تحديد هوية الجناة، وكان المعارضون يشعرون أنهم مطاردون من مكان إلى مكان، وعندما فشلت جهود الإسكات بالرصاص لجأ النظام بعد دفع الثمن الباهظ لإعادة تأهيله من ثروات الشعب الليبي، لجأ إلى شراء المعارضين واحداً تلو الآخر، من دون أن يعني ذلك تشكيكاً بكل الذين عادوا إلى البلاد في سياق صفقات مع سيف الإسلام القذافي.
استهداف علي الجابر، ومعه طاقم الجزيرة هو الرسالة الأولى لقطر، ولا يستبعد أن تكون هناك رسائل أخرى أكثر دموية خلال المرحلة المقبلة إذا لم يتمكن الشعب الليبي من إنهاء المعركة وإطاحة النظام وكامل رموزه. ونتذكر كيف وصل الحال بالنظام حد ترتيب عملية اغتيال للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز. الأرجح أن القيادة القطرية تدرك ذلك، وتأخذ تهديدات العقيد، السرية منها والعلنية بنظر الاعتبار، وليس من الضروري أن يستخدم العقيد أشخاصاً ليبيين لتنفيذ بعض المهام القذرة التي يريد، لأن بوسعه استخدام مرتزقة من جنسيات أخرى، بعضهم ينتمي لشبكات المافيا التي يعرف العقيد طرق التعامل معها.
بل إن كثيراً من المهام العسكرية التي تنجز اليوم في ليبيا ضد الثوار تتم على أيدي أولئك المرتزقة ذوي الكفاءة العالية، حيث يدفع لهم العقيد أموالاً طائلة من أجل القيام بمهمات معينة، فيما نعلم أن لتلك الشبكات أدواراً في عدد من الدول، وهم جاهزون لتقديم الخدمات مقابل المال. وقد ذهبت دوائر غربية إلى أن العقيد قد استعد لهذه المرحلة من خلال تجميع ما يقرب من 30 مليار دولار laquo;كاشraquo; ليشتري من خلالها من يشاء من الدول والأشخاص والخدمات.
في المقابل، ليس علي الجابر أول شهداء الجزيرة الذين بذلتهم مقابل ما تقوم به من أدوار في كشف الحقيقة للجماهير، الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في صناعة تلك المكانة التي حصلت عليها خلال أكثر من عقد ونصف على انطلاقتها العظيمة. كما أنه (أعني الشهيد علي الجابر) لن يكون آخر الضحايا الذين تدفعهم من أجل هذه المهمة النبيلة في دعم ثورات الشعوب العربية والإسلامية ضد الظلم والدكتاتورية.
لن يضير قطر أن تقدم أحد أبنائها البررة شهيداً في معركة الحرية لهذه الأمة، فهي جزء عزيز من هذه الأمة، وهي كانت في صدارة المنتصرين لقضايا الحق والمقاومة في كل مكان، ولم تثنها التهديدات عن مواصلة المهمة.
علي الجابر هو شهيد الحرية وشهيد الأمة، كما هو شهيد قطر وشهيد الجزيرة، وما ردة فعل الليبيين الذين هتفوا باسمه وصلوا عليه صلاة الجنازة في موكب مهيب سوى شهادة عظيمة له ولشعبه ولكل الأحرار من أمثاله. أما سيرته العطرة بين زملائه، فشهادة أخرى على سلوكه كإنسان كان يفيض بالمحبة والعطاء على كل من حوله.
سلام على علي الجابر، وعلى كل شهداء الحرية والتحرير إلى يوم الدين.