محمد عبد الجبار الشبوط


تساعد دراسة وتحليل خطابات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في فهم العقلية السياسية التي تحكم تصرفات بعض الرؤساء العرب الذين يعتقدون انهم جاؤوا الى السلطة عن طريق الانتخابات، رغم انه قد مضى عليهم فيها عدة عقود. الرئيس الذي قبل مبادرة خليجية تدعو الى استقالته يصر في خطاباته قبل قبول المبادرة على انه جاء الى الحكم عن طريق الانتخابات التي جرت عام 2006. ولهذا فهو يصر على عدم تسليم السلطة الا وفق الدستور، متذرعا بالشرعية الدستورية، ولعله يقصد بذلك اتمام الولاية الحالية له ثم الخروج من قصر الرئاسة.
يتجاهل هذا النوع من الخطاب والحجاج السياسي حقيقة ان الانتخابات تجرى في الانظمة الديمقراطية لغرض تحقيق تداول فعلي وسلمي للسلطة وليس للبقاء فيها الى الابد. هذا هو نفس الخطأ الذي وقع فيه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، حين صار يفتخر بالسنوات الطويلة التي قضاها في الرئاسة خادما للشعب المصري. لم يتعرض خطاب مبارك، شأنه في ذلك شأن صالح، الى مغزى بقائه في السلطة ثلاثين عاما، وهل هي خدمة للوطن، ام احتكار للسلطة. لعل هؤلاء لا يدركون ان نفس احتكار السلطة هو اساءة الى الوطن والمواطن، وان التداول الدوري والسلمي للسلطة هو اكبر خدمة يمكن ان يقدمها زعيم او رئيس لبلده. يفترض ان ينتبه اي زعيم مزمن لهذه المسألة بمجرد انتباه الناس الى حقيقة بقائه طويلا في السلطة. الاحتجاج الشعبي يشير الى ان الناس ldquo;ملّواrdquo; وجوده على قمة الهرم، وانهم يتطلعون الى التغيير. سيكون الامر اقل كلفة واكثر نفعا لو تم اعتماد التداول السلمي للسلطة على اساس البقاء المحدود فيها. دورتان رئاسيتان، فقط، تكفيان. اليس كذلك؟
هامش: انتبهوا الى ان العراق يعاني من عدم تداول السلطة منذ عقود على عدة مستويات، ويمكن ان يتعرض لنفس المشكلة. المؤكد ان الاحزاب السياسية عندنا لا تجسد تداول السلطة على مستوى قياداتها، وهذا يمكن ان ينعكس على السلطة على مستوى الدولة حين تصل هذه القيادات الى المناصب القيادية العليا في البلد. انتهى الهامش.
اضافة الى هذا يتجاهل القادة المزمنون ان الانتخابات تمنحهم شرعية الوصول الى السلطة، لكنها لا تكفي لمنحهم شرعية البقاء فيها، حتى لمجرد اكمال ولايتهم الانتخابية، ما لم يعززوها بأمر اخر هو ldquo;شرعية الانجازrdquo;. اذا فشل الزعيم المنتخب في تقديم انجازات ملموسة لبلده وشعبه، فسوف يكون من الممكن جدا ان يتحرك الاخرون من اجل ازاحته عن السلطة ديمقراطيا. وفي بلد يعتمد على البرلمان في منح شرعية التولي لرئيس الجمهورية او رئيس الوزراء، كما هي الحال في العديد من الدول الديمقراطية، فان البرلمان سيكون ساحة المناورات السياسية الهادفة الى سحب الثقة من الزعيم المقصود، سواء كان رئيسا للجمهورية ام رئيسا للوزراء، وينطبق الامر ذاته على رئيس البرلمان ايضا. لذلك، لا يفترض ان ينام الرؤساء والزعماء المنتخبون من قبل البرلمان على فراش من حرير، ملء جفونهم عن شواردها، استنادا الى نتائج انتخابات جرت في وقت سابق. فقد يأكل الفشل في الانجاز من جرف الانتخابات، ما قد يؤدي الى سقوط الزعيم المقصود، برلمانيا، وربما قبل ذلك شعبيا.
هذا درس في ابجديات الديمقراطية، يعرفه الناس في البلدان الديمقراطية العتيقة كما يعرفون اسماءهم، لكن قد يكون ذكره مفيدا في البلدان ذات الديمقراطيات الناشئة والحديثة والهشة.