سركيس نعوم

سألتُ عاملاً بارزاً في احدى ابرز quot;الاداراتquot; داخل الادارة الاميركية يتعاطى مع اوضاع مصر ودول مشرقية اذا كان توقّع الثورة التي حصلت في مصر، فأجاب: quot;ذكّرني ديبلوماسي كنت معه حول عشاء في quot;كابلquot; بأنني أرسلت برقية الى quot;ادارتيquot; قلت فيها ان عدم تحسّن الاحوال في مصر قد يفجّر أوضاعها. لكن اجمالاً لم يتوقع احد في واشنطن ما حصل. ربما من اسباب ذلك بقاء حسني مبارك في السلطة قرابة ثلاثين سنة، ووقوعه في المرض، وموضوع توريث ابنه الرئاسة، والانتخابات التشريعية الاخيرة المزوّرةquot;. سألتُ: ماذا عن quot;الاخوان المسلمينquot; المصريين؟ هل يستوعبهم النظام الجديد، ربما على الطريقة التركية؟ أجاب: quot;تركيا مختلفة، وجيشها عنده ايديولوجيا مختلفة (العلمانية) يؤمن بها ويحميها. وهي متأصلة في تركيا وخصوصاً داخل الجيش. لم يمنع ذلك الاسلاميين من البروز، ولكنه لم يمنع في الوقت نفسه تفاعلهم مع العلمانيين. وقد ادى ذلك الى نشوء تيار اسلامي قيل انه معتدل، ويتعايش مع العلمانية التي يحميها الجيش.
اما في مصر فإن الجيش ليس علمانياً. ودوره في الداخل لم يكن مثل دور الجيش التركي. quot;الاخوان المسلمونquot; موجودون في مصر. لكنهم ليسوا الغالبية. وليسوا هم مَنْ صنع ثورة يناير. قام بها شباب الانترنت. لا بد ان ينظّم هؤلاء صفوفهم في احزاب او تجمّعات كي يكون لهم دورهم الوطني وكي لا يَسرق هذا الدور منهم احد. quot;الاخوانquot; ظهروا لأنهم كانوا الحزب الوحيد في مصر وإن من دون امتلاكهم quot;رخصة رسميةquot;. وكان الى جانبهم quot;الحزب الوطني الديموقراطيquot; الحاكم في حينه، فضلاً عن احزاب اخرى هامشيةquot;. علّقتُ: حقق quot;الاخوانquot; اثناء حكم مبارك في الانتخابات التشريعية قبل الاخيرة انتصاراً كبيراً في الدورة الاولى، فضربهم بقسوة ومنعهم من استكمال الانتصار في الدورة الثانية. فضلاً عن انه حرمهم اي مقعد في الانتخابات الاخيرة. وقد تحقّق له ذلك. هذا يعني ان quot;الاخوانquot; موجودون شعبياً وسياسيا في مصر. لكن يجب الحؤول دون استئثارهم بالتمثيل الشعبي، وبالسلطة تلافياً لوقوع مصر ثانية في براثن شمولية دينية أخطر على المصريين ومحيطهم. رد العامل الاميركي البارز نفسه: quot;ثورة مصر اقتصادية واجتماعية، ثورة ضد البطالة والفساد، وثورة شبابية. لا احد هتف اثناء الثورة ضد السلام مع اسرائيل، ولا احد شتم اميركا، والاستثناءات في هذا المجال محدودة. غير انه صدر في تصريح لقيادي quot;اخوانيquot; تأكيد ان مصر لن تتعرض بعد نجاح الثورة لمعاهدة السلام مع اسرائيل.
أسباب ذلك اذا quot;صَدَقquot; كثيرة، في رأيي. منها رفض الجيش التعرض للمعاهدة لأنه هو الذي خاض حروباً عدة ضد اسرائيل ودفع فيها آلاف القتلى والجرحى والمعوقين. ومنها ايضاً ان الشعب المصري ربما سئم الحرب لأنه وحده ومن دون معظم العرب دفع من حياة ابنائه فيها، ومن قوتهم. علماً ان الاشقاء العرب الأغنياء لمصر كانوا يقتّرون المساعدات التي يقدمونها لها، لكي تشتري سلاحاً تقاتل به اسرائيل نيابة عنهم. فضلاً عن انهم كانوا يمننونها بها. ما يحتاج اليه شباب الثورة هو الوقت والتنظيم. شعرت بأن المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم حالياً اكثر شباباً، رغم تقدمه في السن، من كثيرين من الشبابquot;.
هل يمكن ان يمتد ما حصل في مصر وما يحصل في المنطقة إلى سوريا؟ سألتُ. اجاب: quot;لا اريد ان اتوقّع. ذلك صعب. وبحسب علمي انه اقل احتمالاً. لكن لا احد يعرف. من الاسباب التي تجعل نسبة الاحتمال المذكور ضعيفة، القمع الشديد الذي مارسه النظام السوري على شعبه عام 1982. ومنها ايضاً، انه نظام اقلية يواجه اكثرية ولذلك لا يستطيع التهاون حيال اي تحدٍّ كي لا يسمح لما يحصل، اذا حصل، بالتفاعل داخلياً وخارجياً. ومن الاسباب ثالثاً، الفقر الموجود وخصوصاً في الريف، ومن هنا فإن التحرّك في المدن ليس له مبرر اقتصادي واجتماعي. ومنها رابعاً، ان الحكم السوري تبنى الشعارات والسياسات التي تؤمن بها الغالبية في سوريا (السنّة)، فلماذا الانتفاض عليه هو الذي يقف ضد اميركا واسرائيل؟quot;.
هل اكتسب، في رأيك، الرئيس بشار الاسد الخبرة التي كانت تنقصه يوم تسلم السلطة؟