علي الظفيري

مع بداية الاحتجاجات في سوريا رفع بعض المتظاهرين شعارات تندد بحزب الله اللبناني، ترددت عبارة laquo;لا حزب الله ولا إيرانraquo; في درعا وبعض المدن التي خرج فيها الناس للتظاهر، وكانت تلك الإشارة الأولى التي توجب على حزب الله التقاطها وفهمها جيدا، يعرف الناس جيدا العلاقات الوشائجية بين الحزب وإيران عبر سوريا، يدركون جيدا أن حزب المقاومة في لبنان سيضحي بكل شيء من أجل إيران ونفوذها وحلفائها في المنطقة، يفهمون أن عقيدة ولاية الفقيه هي العمود الفقري في بنية الحزب المقاوم ولا شيء ينازعها في الأهمية والتأثير، عايشوا هذا الأمر في العراق يوم انحازت المقاومة لتكوينها الإيراني على حساب القضية العربية، وانتصرت للحكيم وميليشيات بدر الطائفية التي التقت عند مشروعها السياسة الأميركية البغيضة والأموال الإيرانية النظيفة والطاهرة!
في تلك الأيام الأولى للاحتجاجات الشعبية في سوريا، شعر الداعمون لحزب الله بمأزق كبير، الذين وقفوا معه في أحلك الظروف أحسوا بصعوبة الموقف، الذين وقفوا معه ضد إسرائيل وضد خصومه في الداخل والخارج، ووقفوا رغم تركيبته الطائفية المستفزة لأبعد مدى، ورغم تاريخه في تصفية المقاومين الآخرين في لبنان واستفراده بـ laquo;شرف المقاومةraquo;، ورغم انتمائه الإيراني المعلن وتباهيه بهذا الرباط المقدس مع طهران، ورغم صمته المؤلم عن ذبح العراقيين وتطهيرهم عرقيا والتغاضي عن احتلال بلادهم، فعلوا ذلك لأنه الوحيد في مواجهة إسرائيل وسط عالم عربي قذر ومتواطئ، كانوا يصمون الآذان عن الاتهامات التي يكيلها الآخرون ضد الحزب، ليس لأنها كاذبة وملفقة، بل لأنهم يريدون للقوة الوحيدة ndash;باستثناء حركتي حماس والجهادndash; البقاء صامدة في وجه العدو الصهيوني المحتل، نعم، هذه الفلسطين ومركزيتها في الوجدان العربي كانت كفيلة بغض الطرف عن أي شيء، وعن كل شيء في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمة، إضافة لفضائل كثيرة لحزب الله لا تنفيها عيوبه، فضلا عن أن مناهضة الحزب والمقاومة ستضعك قسرا في الضفة الأخرى التي لا تقبل أبدا بالنظر في وجه سكانها أو مصافحة أيديهم!.
ومع اشتعال الأسئلة وإطلاق التنبؤات بموقف حزب الله المنتظر من الثورة السورية، والحسم باصطفافه مع النظام السوري، كان الأمل أن لا يكون الموقف على هذا النحو، فكان التبرير المسبق بصعوبة موقف الحزب وحساسية الظرف الذي يعيشه، يبقى النظام السوري الداعم الرئيسي لأحزاب المقاومة في لبنان وفلسطين بغض النظر عن الانتهازية التي تقف خلف هذا الموقف، وما ميز أداء حزب الله في حروبه مع إسرائيل عن حركات المقاومة الفلسطينية هو الجوار السوري والدعم الكبير والمفتوح عبر هذه الجبهة، فهل نتوقع من الحزب وبمجرد خروج الناس في درعا وبعض المدن القليلة في الأيام الأولى للاحتجاجات، أن يعلن القطيعة مع النظام السوري؟
لم يكن أي عاقل ينتظر هذا الموقف من حزب الله في أحسن الظروف، لكنه لم يتوقع أبدا هذا الانحياز الصارخ للنظام السوري، لم يكن ينتظر مصطلحات الفتنة والإمارات الإسلامية السلفية والأيادي الخارجية، ولا تبني الحزب للرواية السورية الرسمية بدعائيتها الفجة والمستفزة وجهلها المطبق بالمعطيات التي استجدت في الساحة العربية، ولم يتوقع تلك البيانات المنشورة تعبيرا عن مواقف الحزب بأسماء أخرى في الصحف القريبة منه، وأن تتحول المنار وسيلة إعلام سورية أخرى تحريضية وتعبوية تروج للقاتل وتسبغ عليه المدائح، ومع التقدير للحزب وتجربته في المقاومة إلا أنه أيضا آخر من يتحدث عن الطائفية ويبشر بها إن سقط النظام البعثي في سوريا، وآخر من يتحدث عن الأيادي الخارجية والدعم والتمويل الأجنبي!، انتظرنا من الحزب الذي حظي بشعبية كبيرة في العالم العربي يوم انتصر بدعم الأصدقاء على إسرائيل أن يصمت كأضعف الإيمان أمام الكفر الرسمي السوري بكل الأخلاقيات والأديان والأعراف، فوجدناه داعما ناصرا مؤيدا له!، ومناهضا في الوقت نفسه للحراك الشعبي السوري الطامح للحرية والكرامة، لماذا يرهن حزب الله مصيره بنظام قمعي ديكتاتوري ويقرأ تحرر الشعب السوري وسعيه نحو الديمقراطية والحكم العادل على أنه تهديد وجودي!، الموقف الذي يعزز النظر من الزاوية الطائفية لمواقف الحزب وخياراته الاستراتيجية.
السيد حسن نصرالله شخصية تحظى بالتقدير، لكن الصورة معه لا تمنح أحداً صك دخول الجنة، ولا شعبية أكبر في العالم العربي، ربما يحدث العكس في كثير من الأحيان، كما أن الآخرين ليسوا رهن تصنيف الحزب لهم، تارة يضعهم في خانة المقاومة وتارة أخرى يعيدهم للحاضنة الأميركية، هذه اللغة لا تفيد أبدا، والدنيا ليست تكتيكا ومقايضة على الدوام، فالتحولات الكبرى في العالم العربي تحتاج إلى رهانات كبيرة، ولا يمكن لعالم عربي ديمقراطي أن يقبل بحزب طائفي إيراني متحالف مع أبشع الأنظمة الجمهورية القمعية، حتى لو كان الحزب في الخاصرة الإسرائيلية، فهناك خيارات أكثر عروبة واستقلالاً وأقل التزاماً مع أصحاب المصالح الخارجية.