أحمد عبدالملك

أصدر وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بياناً يوم 22/5/2011، إثر اجتماع للمجلس الوزاري، تضمّن تعليق العمل بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، بعد رفض الرئيس (علي عبدالله صالح) التوقيع عليها، ونصّ البيان على أن يتم تعليق المبادرة حتى تتوافر الظروف الملائمة لها.
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني قد قام بجولات مكوكية في الأسبوعين الماضيين بين الرياض وصنعاء لحمل الأطراف اليمنية على التوقيع على المبادرة التي هدفت وضع حد للأزمة المتفاقمة بين الأطراف اليمنية. وكان الرئيس اليمني قد رفض المبادرة منذ البداية، ثم عاد وأعلن قبوله لها، وبعد أن وقّعت الأطراف الأخرى (المعارضة) عليها السبت الماضي، رفض الرئيس التوقيع إلا بحضور المعارضة إلى القصر الجمهوري، كما رفضت المعارضة بدورها الرضوخ لطلب الرئيس (صالح) توقيع المبادرة في القصر الجمهوري.
وتضمنت المبادرة الخليجية التي تسعى لوضع حد للأوضاع المتردية في اليمن ndash; والتي وضعت بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ndash; قيام المعارضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، واستقالة الرئيس (صالح) من منصبه، وتسليم صلاحياته إلى نائبه خلال ثلاثين يوماً من التوقيع. في مقابل تمتعه بحصانة له ولأقاربه للحؤول دون ملاحقتهم قضائياً، في حين تتم انتخابات رئاسية خلال ستين يوماً.
وكان مسلحون موالون للرئيس (صالح) قد حاصروا سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في صنعاء وبداخلها الأمين العام لمجلس التعاون والسفير الأمريكي في صنعاء، ثم نقلتهما مروحيتان يمنيتان من السفارة إلى قصر الرئاسة.
وإذا كان الرئيس (صالح) يعلم بقيام أنصاره بمحاصرة سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة ؛ فإن ذلك مخالفة لأبسط قواعد السلوك الدبلوماسي بين الدول، وخروج على قواعد العلاقات الأخوية بين الدول العربية ؛ رغم اعتذاره لدولة الإمارات العربية المتحدة في وقت لاحق. ولقد جاء رد الفعل الأمريكي المُستهجن لموقف الرئيس (صالح) على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون)، حيث أعربت عن quot;خيبة أملها العميقةquot; من استمرار رفض الرئيس صالح التوقيع على المبادرة الخليجية ؛ وأنه يدير ظهره لالتزاماته ويغض النظر عن تطلعات الشعب اليمني المشروعة. quot; ونحن نحثه على الوفاء فوراً بنقل السلطة سليماً quot;.
ولقد بات جلياً أن الرئيس اليمني ndash; الذي تطالبه الملايين بالرحيل ndash; كان يراهن على الوقت، وتعلل كثيراً ببنود المبادرة ؛ والتي رغم quot; بحبوحتهاquot; له، مقارنة بمطالب الجماهير اليمنية، قد رفضها الشارع اليمني المحتج، حيث أعلن أكثر من مرة ndash; في صفوف المتظاهرين - أن quot;اللقاء المشتركquot; والمؤتمر الشعبي العام وحلفاءه لا يمثلون المتظاهرين.
ويبدو أن ساعات الرحيل قد أزفت بالنسبة للرئيس (صالح) خصوصاً بعد أن استنفد كل الأوراق، وآخرها مكان توقيع المبادرة، كما أنه استنفد لغة الحكم، ووصف المبادرة الخليجية بأنها quot; مؤامرة quot;، وهو موقف ليس فيه من ردّ الجميل شيء بالنسبة لدول مجلس التعاون، التي وقفت معه في أحلك الظروف!؟ وإذا ما زاد الرئيس (صالح) في رهاناته الخاسرة، فإن سقوط نظامه سوف يجعله في موقف لا يُحسد عليه، بل قد يعض بنان الندم، لأن المبادرة الخليجية كانت quot;كريمة quot; معه ومع أسرته.
فهل يعني هذا الرفض الجديد ووضع شروط جديدة ndash; بعد أن وقعت الأطراف الأخرى عليها ndash; نوعاً من التكتيك؟!
نحن نعتقد أن حياة الشعب اليمني واستقراره أهم من وجود رئيس في سدة الحكم لثلاثين عاماً دون أن يحقق quot; اليمن السعيد quot; بل زاد في شقاء اليمن وبؤس أبنائه، ووصول البلاد حافة quot; الدولة الفاشلة quot;. وإذا كان الرئيس (صالح) يعوّل على اندلاع حرب أهلية في بلاده ndash; في ظل تسلح الشعب اليمني المعروف ndash; فإن ذلك عمل quot;شمشونيquot; لا يرقى إلى سجايا الحكام! ولقد جاء الرد سريعاً؟!
فبعد يومين من تعليق المبادرة بدأت المعارك بين جيش (صالح) وأكبر قبائل اليمن (حاشد) مما أسفر عن سقوط أكثر من 44 قتيلاً من الجانبين خلال اليومين الأوليين من المواجهات المسلحة، ودخلت عدة مدن يمنية في حالة استنفار حيث دوت أصوات الانفجارات والمدافع ؛ وتوالى سقوط القذائف على المباني الرسمية ومنها وزارة الداخلية اليمنية، ودخل رجال القبائل المسلحة إلى العديد من المباني الحكومية ومنها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) وطلبوا من الموظفين مغادرة المكان! كما سيطر رجال القبائل على وزارة الصناعة والخطوط اليمنية والمعهد العالي للإرشاد وبعض المدارس. واستخدمت في تلك المواجهات قنابل الـ(أر. بي. جيه) ورشاشات إلى جانب الأسلحة الخفيفة. ويقود المقاومة الجديدة الآن الشيخ صادق الأحمر زعيم قبائل (حاشد)الذي يدعم الانتفاضة ويطالب بتنحي الرئيس (صالح).
إن دول مجلس التعاون قد أكدت مراراً حرصها على استقرار اليمن ودعت الأطراف المتنازعة إلى التحلي بالصبر والحكمة، والحوار المؤدي إلى تجنب كارثة الحرب الأهلية، كما أن انفلات الأمور، سواء بوجود (صالح) أم بعده، لن يكون في صالح الشعب اليمني، الذي يعيش ظروفاً صعبة لم تتحسن منذ ثلاثين عاماً؟! ولربما كان quot;تحذيرquot; صالح من حرب أهلية إذا لم quot; تنصاعquot; المعارضة ؛ دعوة صريحة لحرب أهلية وهو أسلوب افتقد الكياسة وحسن التعبير، كما أن عبارته quot; سيتحملون مسؤولية الحرب ومسؤولية الدماء التي سفكت وستسفك إن ركبوا حماقاتهم quot;، تذكرنا بعبارات quot;القذافي quot; تجاه أبناء شعبه المطالبين بحرياتهم حيث وصفهم بالجرذان والمهلوسين وغيرها من الصفات التي لا يجوز أن توجه من الحاكم أو الزعيم لشعبه، لأنه حتى الثورات لها قيمها وأدبياتها التي لا تجرح الشعوب.
نحن نعتقد أن المعارضة وحلفاءها يقومون بعمل دستوري لا خلاف عليه، وأن ما يقوم به الرئيس (صالح) وهو يرى الدماء التي quot;حذّرquot; من سفكها تسفك في ثاني يوم لخطابه الهستيري بعد رفضه توقيع المبادرة الخليجية، ويتهم خصومه بذلك، ما هو إلا دحرجة لكرة الثلج التي سوف تكبر، ولربما اجتاحت القصر الجمهوري، لتصل إلى quot; صعدةquot; وquot;شبوةquot; وquot; عدن quot;.
المعادلة سهلة بين رحيل الرئيس ndash; كما تريد الملايين من أبناء الشعب اليمني ndash; وبين إدخال اليمن في حرب أهلية لا أحد يدرك مداها!؟ فأين العقل الذي يستطيع أن يحل هذه المعادلة؟ خصوصاً بعد أن ثارت نيرات المدافع بين أبناء الشعب الواحد!