عبد الوهاب بدرخان

رغم ان الجزء الأهم، والأخطر في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله، كان تحليله للمناورات الاسرائيلية واهدافها، الا ان النقاش الذي تلاه ركز على اختراق quot;سي آي إيquot; لـquot;حزب اللهquot; عبر ثلاثة متعاملين، وكذلك على تجديده تأييده النظام السوري ضد الانتفاضة الشعبية. اما عدم الاكتراث الذي أبداه تجاه المحكمة الدولية والقرار الاتهامي المرتقب فيمكن وضعه في اطار اطمئنان نصرالله الى ان الحكومة الجديدة quot;حكومتهquot;، وإنْ حرص على ابعاد هذا الطابع عنها، فهو متأكد أنه يستطيع بهذه الحكومة ان يتحدى المحكمة الدولية ويناوئها ويعرقل عملها.
في الحكومتين السابقتين اصطدم صوغ البيان الوزاري ببند المقاومة ودور الجيش ومكانة الدولة. ومع هذه الحكومة اصطدم ببند المحكمة الدولية. وفي الحالتين جرى ويجري البحث عن صيغ لفظية مطاطة يمكن ان تكون مقبولة لتمرير التصويت على الثقة، لكنها تستبطن الخلاف اكثر مما تقدِّم حلولاً له. واقعيا، لم يكن لهذين الخلافين ان يحفرا مثلا هذا الانقسام الحاد، سواء في الوسط السياسي او داخل المجتمع. كلاهما فيه مصلحة وطنية. فالاول معني بكرامة البلد وضرورة تمتعه بقدرة على ردع العدوانية الاسرائيلية، من دون ان يكون لبنان معنيا بالصراع الايراني ndash; الاسرائيلي. والثاني معني بإحقاق العدالة في قضية الاغتيالات السياسية التي غدت ايضا قضية داخلية ndash; اقليمية.
كان حريا بالسياسيين اللبنانيين اْلاّ يميزوا بين هذين الخلافين، وألا يدفعوا بالمواطنين الى الخيار بين ابيض واسود، وبالاخص ألا يربطوا بين القضيتين، لأنهم اساؤوا اليهما معا. فالقول ان النظام السوري هو نظام الممانعة والمقاومة لتبرير بطشه بشعبه وارتكاب ابشع جرائم القتل والتنكيل بحق ابنائه، هو كالقول ان quot;حزب اللهquot; هو المقاومة في لبنان، وبالتالي فإن اتهامه او اتهام عناصر منه بالضلوع في الاغتيالات ليس سوى quot;مؤامرةquot; لضرب المقاومة. وكما ان quot;نظرية المؤامرةquot; ومنطقها لم يساعدا النظام السوري في معالجة مأزقه الداخلي، فإنهما لم يساعدا ايضا حزب المقاومة على اثبات براءته تماما من التورط في الاغتيالات.
مع السيطرة المؤكدة لـquot;حزب اللهquot;، بصفته وكيل الوصاية السورية، على الخط السياسي للحكومة، لا بد ان قضية اختراق الـquot;سي آي إيquot; ستتفاعل لاحقا في العلاقات اللبنانية ndash; الاميركية، فالحزب يريد تفعيل التلازم بين الدولة والمقاومة. ورغم التعقيدات والارباكات المتوقعة بعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية، إلا ان الصعوبات الكبرى امام الحكومة ستتأتى من تداعيات الازمة السورية واضطرارها للتفاعل معها ايجابيا لمصلحة النظام، عرّاب الحكومة. هذه التداعيات قد تشعل جبهة الجنوب، والسيد حسن نصرالله قدم وصفاً دقيقاً لأي حرب محتملة في المستقبل، بناء على قراءته لمناورات العدو الاسرائيلي وعلى استعدادات المقاومة. حتى الآن، كان موقف ايران وquot;حزب اللهquot; ان لا مصلحة في مواجهة مع اسرائيل بهدف الحفاظ على النظام السوري والتحالف معه. لكنه موقف قابل للتغيير.