أمجد عرار

كلام رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي عن الطائفية السياسية باعتبارها علة العلل، يبدو صرخةً في واد سحيق، إذ إن هذه الآفة تتكرس بدلاً من أن تنحسر، وتنخر في هيكل الدولة أكثر فأكثر بدلاً من أن يعمل الكل الفاعل في لبنان على محاصرتها وتحصين البلد منها . ولا ندري إن كان حديث ميقاتي عن الحاجة إلى عشر أو عشرين سنة لإلغاء الطائفية السياسية، استشرافاً علمياً أم تحليقاً في الخيال، لكنّه على الأرجح كلام غير محضّر في لقاء عاطفي مع مجموعة شبابية نشطت ذات فترة ماضية ضد الطائفية السياسية ولم تسمع صدى لصرخاتها فعادت أدراجها إلى بيوتها وانكفأت إلى نقطة الصفر .

إلغاء الطائفية لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، ولو كان ميقاتي متعمّقاً في استشرافه الفترة الزمنية لما قال ldquo;عشر أو عشرين سنةrdquo;، إذ إن الrdquo;أوrdquo; هذه فصلت بين رقمين أحدهما ضعف الثاني، فيما التحديد العلمي يحدد هامشاً أضيق بكثير يراعي المجاهيل والصعوبات غير المتوقّعة في منطقة هي الأكثر مفاجآت، سلبية وإيجابية في آن واحد .

كثر الحديث عن تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية بمشاركة حكماء البلد للنظر في كيفية إلغائها تدريجياً، وصناعة جيل جديد مؤمن باللاطائفية ومقتنع بأن العصر الحالي يجب أن يتجاوز معادلة الراعي والقطيع، سياسياً وطائفياً . لكن هدفاً بهذا الحجم من التعقيدات السياسية والاجتماعية، لا يكفي لتحقيقه تشكيل لجنة أياً كانت حكمة حكمائها، لأن الحديث يدور عن عملية تاريخية شاقّة تحتاج إلى جلد وصبر ومواظبة وهضم الكثير من الكتل الصلبة من دون اختناق .

الطائفية السياسية في لبنان، وعلى نحو أقل في غير لبنان، ليست نظاماً أو هيكلية واضحة المعالم لكي تحتاج فقط إلى تركيز الضربات عليها كي تنهار، إنما هي منظومة متداخلة فيها عوامل تاريخية ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية ونمطية، ولواصق من قوة العادة، وتتخلل مفاصلها مشدات بأيدي أمراء الحرب، وهؤلاء أكثر الناس حديثاً عن الطائفية وأشدهم تمسّكاً بها، لأنها شرط وجودهم ونفوذهم وقدرتهم على تنفيذ تعليمات أولياء أمورهم ونعمتهم ومصدر لحم أكتافهم .

عندما تصطف طائفة كاملة أو شبه كاملة خلف واحد من هؤلاء بلا تفكير أو تأمّل فيما قالوه لهم وما يقولونه اليوم، وما ينطوي عليه قول الأمس واليوم من تناقضات، فإن ظاهرة كهذه لا يمكن علاجها بلجنة أو مؤسسة، لأنك أمام نسيج كامل من الناس الذين يعبرون عن مستوى من التربية الاجتماعية لا تنفع معه التصريحات وأنشطة اللجان .

عندما تكون أمام أناس مجبولين طائفياً ومذهبياً، تجدهم لا يحاسبون قادتهم ولا يبحثون عن تفسير لمواقف وممارسات تكون أحياناً أوضح من الشمس في رابعة النهار، لجهة توظيف الخطاب الطائفي والمذهبي لمصالح زعيم وفئة ضيّقة تحيط به ومنتفعة من هذا الخطاب، حتى لو كان الاستنفار المذهبي والطائفي يستخدم شعارات جذابة تغلّف مصالح ضيقة وحسابات شخصية . لا يتساءل هؤلاء: لماذا ما كان زعيمهم يعتبره حلالاً عندما كان في السلطة، أصبح حراماً حين أضحى خارجها؟

إن الأوطان لا تبنى على حملات التحريض الغوغائية وفاقدة المبدئية والمعايير الموضوعية، لأن مثل هذه السياسة تقود إلى حافة الهاوية، وإذا كان من يملك يخوتاً وقصوراً بعيداً عن هذه الهاوية، فإن على أتباعه أن يتنبّهوا إلى أنه لا ملاذ لهم سوى سفينة الوطن، فإن غرقت فسيسكنون بطون القرش والحيتان .