نصري الصايغ

laquo;ليس مهماً أن تكون ضد أميركا، المهم أن تكون أميركا ضدكraquo;. قيل هذا الكلام في زمن الكلام، عندما كانت مواجهة أميركا تتم بالكلام وجعجعة المواقف. من كان يريد، في زمن الكلام فقط، بطاقة انتساب لقوى اليسار والقوى القومية، كان يتمرن على الصراخ والمزيد من القبضات الهوائية.
أما إذا كانت أميركا ضدك، فأنت موجود بالفعل. أنت جزء من معادلة الصراع، وأنت حامل الخطر في الاتجاهين: خطر فعلي إزاء السياسات الأميركية، وخطر التعرض لسياسات الشطب الأميركية لوسائل عديدة، تبدأ بالسياسة والشراء وتنتهي بالقبضات السرية والحروب الخفية.
كانت يومها أميركا لا تسمع إلا من يؤلمها، أو من يؤذي اسرائيل.
وقيل أيضا: laquo;إذا التبست عليك الأمور، فقف حيث لا تقف أميركاraquo;. الموقع الصح، هو الموقع المناهض لسياسات واشنطن. والحجة بيّنة: أميركا، في ما له علاقة بفلسطين ومن معها، هي اسرائيل الكبرى.. أميركا في هذا الخندق، لا تقيم وزنا للمعايير والقيم والحقوق والقرارات الدولية والمصالح العربية للدول المتحالفة معها من أنظمة ساجدة على جباهها.. أميركا في الخندق الاسرائيلي ترسانة وجبهة قتال وشبكة حماية وصندوق تمويل.. أميركا الاسرائيلية، لا يعنيها عدد القتلى من المدنيين في مدرسة بحر البقر ومصنع أبو زعبل في مصر. لا تعنيها الطفولة البريئة في قانا، عاصمة الشهادة لمرتين. تسمي المجرم قديساً وتطوّب شامير وشارون وبيغن ونتنياهو.
laquo;حيث تكون أميركا، لا تقف، الوقوف معها إدانة ناصعةraquo;. والحجج الأخرى أكثر بلاغة ودقة. هي مع اسرائيل، عدو فلسطين بالاحتلال، وعدو العرب بالإكراه والضغط والابتزاز والحرب إذا لزم الأمر.
وهي أيضاً عدو الشعوب العربية كافة، لتحالفها مع أنظمة استبدادية، أفرطت في التبعية والطاعة لأميركا، ولم تتورع اعتقال أمة لعقود وتبديد ثروات بالمجان وامتهان كرامات إنسانية وتحويل الوطن إلى محفظة مالية، كل أرقامها، من عرق الشعب.
قيل، والقول سليم، laquo;كن حيث لا تكون أميركاraquo;. وان تنفيذ هذه الوصية سهل على كثيرين، وتحديدا أصحاب الوعي والمدركين والعارفين، أن لأميركا مصالح. تفاوض وتقاتل من أجلها، ومبادئ تتنازل عنها عند الضرورة.
ماذا لو قررت أميركا ان تكون إلى جانبك؟ ماذا لو قررت ان تختار الرصيف الذي تقف عليه؟ ماذا لو حملت لواء مطالبك وقضاياك وحقوقك؟ ماذا لو حرّضت حلفاءها المستبدين، ليكونوا إلى جانب مطالبك بالديموقراطية والحرية والعدالة والتعددية؟ ماذا لو راحت تحض العالم ليكون معك في معركتك ضد الاستبداد، ولتغيير نظام ولتبديل سياسات؟ ماذا لو أقنعت دول متخلفة ورجعية وإسلاموية، بالوقوف إلى جانب طموحك الذي تدفع ثمن تحقيقه دماً، لإقامة مجتمع مدني ودولة علمانية؟ ماذا لو...
ثق عندها، بأنك في خطر، بل في معمعة أخطار.. سهل إغماض العيون عن صداقة أميركا لك، ولو من طرفها، وغض الطرف عن جموحها الانتهازي، بحجة مقتضيات المعركة ومطالب الصراع.. سهل جداً تبرير أمركة الأمر الواقع العربي الديموقراطي، بدعوى ان المحافظين الجدد في زمن جورج بوش، وبلسان ريتشارد بيرل، سعوا إلى قلب أنظمة عربية، لإقامة أنظمة ديموقراطية، ثم أقلعوا عنها، خوفاً من ديموقراطية تأتي نتائجها وخيمة على أميركا، بفوز إسلاميين أو متطرفين معادين لها، ممهورين بالشرعية الانتخابية.
إذا كانت أميركا معك اليوم، فلكي تكون عليك غداً، وضدك دائماً، إذا قررت أن تكون صاحب السيادة التامة على قرار بلدك ومصالح بلدك وحقوق شعبك، إضافة إلى فلسطين.
عليك أن تشكك قليلاً وتتنبه كثيراً، وتوازن بين الآني الضروري. وبين الاستراتيجي الملزم. والدليل، دعوا أحداً يدلنا على علاقة موزونة أو متوازنة بين أميركا وأي دولة عربية، بمعزل عن موقفها من اسرائيل. هل علاقة أميركا بدول الخليج طوباوية؟ متوازنة؟ أم ماذا؟.. هل علاقة أميركا بدول الجنوب موزونة؟ كيف كانت مع مصر؟ وكيف هي مع العراق؟
من واجب المعارضة السورية أن ترسم خطاً أحمر عريضاً بينها وبين أميركا... إن الصمت لا يجوز أبداً. فما تريده أميركا من سوريا، ليس ما تريده المعارضة أبداً. فلتعلن المعارضة موقفاً... كي تطمئن القلوب وتصفو النوايا.
ليس هذا الكلام اتهاماً... انه من باب الحرص على نقاء المعارضة ومشروعية أهدافها وصوابية استراتيجيتها لدور سوريا في محيطها، وهو دور وطني وقومي وإنساني، ينبع منها، ولا يملى عليها.