يوسف الكويليت

لن يغير الحكم في سورية قناعاته في إيقاف المجازر لأن طبيعة تكوينه عاشت على سلوك العنف، فبعد تصفية العديد من الوجوه الفاعلة في لبنان ثم قتل عشرات الآلاف في حماة، وتلك المذبحة حدت من ثورة نشأت بفعل بسالة أبناء المدينة لقهر الظلم..

في الوقت الحالي توفر عند السلطة مفهوم أن الغرب لن يدخل في معركة مجهولة طالما الجيش بقي ولاؤه لهم، وأن الرهان على تشققه نظرة قاصرة، ويستحيل أن يقوم انقلاب من داخل العائلة، لأن المصير واحد، وأي خلل في هذا الرباط سوف يجعل الجميع في مواجهة المجهول..

فدمشق وحلب - وهما القاعدة الاقتصادية والثقل الاجتماعي والسياسي - تتفرجان على ما يجري بدون مناصرة للأكثرية الشعبية التي انتفضت وواجهت القمع بالتضحيات وكسر الخوف حتى لو سقط آلاف، ويعزى صمت المدينتين الرئيسيتين أن طبقة من التجار وأصحاب السلطة ممن انتقلوا من الريف إليهما أصبحت الروابط مع الحكم قائمة على المصالح المشتركة، لكن تردّي الوضع الاقتصادي، وتقلب ولاءات مثل هذه الطبقات قد لا يصمد، فقد تمارس تهريب أموالها للخارج وقد تضطر لخطة تغيير موازين القوة لصالح الثورة أن تدخل اللعبة لإنقاذ نفسها من تلاحمها مع النظام..

الحكومة لا تزال قوية بوجود الروابط مع قوى الأمن والاستخبارات والجيش، لكن نقص الموارد وتبعات تشغيل آليات الحرب بكل تشكيلاتها ستؤدي إلى خسائر لا تقوى عليها خزانة بدأت تنفد موجوداتها وأرصدتها، إذ كانت الحكومة السورية في تردي ظروفها الاقتصادية تلجأ إلى الدعم الخليجي مع الإيراني، والأخيرة حتى لو سعت إلى إنقاذ الحكم بدفع بعض الفواتير، فهي تنظر للاحتمالات القادمة، أي أن سقوط الحكم المتحالف معها سيقطع العلاقة نهائياً، وبالتالي ستكون الخاسر في كل الأحوال..

روسيا قد تعطي السلاح بأمل استعادة أثمانها في المستقبل، والدافع هنا أن حكومة دمشق هي أكبر الحلفاء لها، لكن ذلك قد لا يكون ثابتاً في السياسة الروسية عندما تتصرف وفق مصالحها، مما قد ينقلها من حالة المراوحة بقبول حل داخلي إلى الانحياز للثوار، وهو تصرف أي دولة تبقي سياستها مفتوحة على أسوأ التوقعات وأحسنها..

هناك رؤية أخرى ترى أن نجاح تسليح ثوار ليبيا ربما ينجح مع سورية، وقد لا تنتظر القبائل التي تجمعها أرومة واحدة على حدود العراق مع سورية ألا تبدأ هذا النشاط ليأتي الدعم من سنة العراق ولبنان الذين اكتووا بنيران حكومة دمشق، وإسرائيل التي تكره زوال السلطة لكنها ترحب بضعف الهلال الشيعي، وقد يدفعها الوضع الراهن توجيه ضربة لمواقع الأسلحة النووية الإيرانية مستغلة انشغال سورية بوضعها الداخلي وتراجع نوايا حزب الله أن يفتح معركة معها يجهل نتائجها..

تركيا لها مساعيها المعلنة والخفية، لكنها حتى الآن تتصرف بدون مغامرة حتى لو فتح الأكراد على حدودها معركة أراد فاعلوها التخفيف من ضغطها على سورية، غير أن كسبها الشارع السوري مهم للغاية، وتأتي مخاوف إيران والغرب من تحالف سني كبير يطوق الهلال الشيعي، بمعنى أن الوضع السوري خلط كل الأوراق، لكن زوال هذه السلطة مطلب اتفقت عليه معظم آراء كل الدول العربية وخارجها..