ساجد العبدلي

هذه مقالة كان يجب أن تكتب منذ عدة أشهرhellip; منذ شهر مايو الماضي لأكون أكثر دقة، مباشرة بعد منتدى الإعلام العربي الذي أقامه نادي الصحافة في دبي تحت عنوان ldquo;الإعلام العربي وعواصف التغييرrdquo;، والذي تسيد أغلب جلساته وورش عمله الحديث عن دور الإعلام الجديد فيما يجري من حولنا على كل صعيد، وبالأخص الصعيد السياسي، وكان لي الشرف أن أكون أحد من تحدثوا في واحدة من جلساته.
واليوم هأنذا أفعل، بعدما كنت صرفت النظر عنه لبعض الوقت، لكنني أعود إليه اليوم لأنني لاحظت أنه لا يزال غضا طريا صالحا للطرح والمناقشة!
بطبيعة الحال، فإن مؤتمر الإعلام العربي وهو المؤتمر الأهم عربيا والأبرز في هذا المجال، يحرص وبشكل دقيق على دعوة كل الأسماء اللامعة والمميزة في عالم الإعلام والصحافة، مع تركيز واضح على الأسماء القديمة المعروفة من كل جهات الصحافة العربية، إلا أنه في مؤتمر هذا العام، ولطبيعة الموضوعات المطروحة، شارك أيضا عدد كبير جدا من جيل الشباب، رجالا ونساء، من ممارسي أدوات الإعلام الجديد، فكانت الحياة في قاعات ذلك المؤتمر وأروقته أشبه ما تكون بمزيج إعلامي نابض تكوَّن من جيلين، إلا أنه ظل مزيجا غير متجانس يستعصي على الامتزاج، وكأننا أمام ذلك المشهد القرآني ldquo;مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِrdquo;!
هذا المشهد أكاد أجزم أنه قد شاهده وأحس به كل من حضر المؤتمر، أما الملاحظة الأوضح فقد تمثلت بأن الأسماء الإعلامية القديمة، انكفأت على نفسها بشكل واضح، خصوصا في الجلسات والأحاديث في أوقات ما بعد المحاضرات والجلسات الرسمية، وكأنها كانت تلوذ بمنطقة الأمان والاطمئنان التي تعرفها وتخبرها جيدا منذ سنوات طويلة، في وجه هذا القادم الهادر الجديد. كان الشباب الجدد يحاولون الاقتراب من الجيل القديم، انبهارا بتاريخهم في الغالب، في حين أن هذا الجيل كان وكأنه ينأى بنفسه، والكلام هنا عن الصورة العامة، والتي فيها استثناءات حتما، لأكون منصفا.
هذا النأي من قبل الجيل القديم وعدم التواصل برحابة صدر وسلاسة مع الجيل الإعلامي الجديد الذي جاءهم متسلحا بالإنترنت والهواتف الذكية والحواسيب اللوحية المحمولة والـrdquo;فيس بوكrdquo; وrdquo;تويترrdquo;، لم يمنع الشباب من أن يسيطروا على المشهد، بل لعله ساهم في ذلك، فكانوا هم الأبرز والأوضح والأكثر استقطابا للاهتمام، على الرغم من المحاولات اليائسة، والمتهافتة أحيانا، لبعض وسائل الإعلام التي كانت حاضرة لتسليط الضوء على ذلك الجيل القديم، ولكن بلا طائل.
كانت لغة المؤتمر في كل لحظة هي لغة الإعلام الجديد، وكان أغلب تلك الأسماء القديمة تجهل هذه اللغة، وكان عسيرا عليها أن تتعلمها بسرعة، لذلك كنت تسمع من بعضهم العجب العجاب حين يحاولون تصنع معرفتهم بهاhellip; بل كان المحزن حقا أن البعض من تلك الأسماء حاول جاهدا أن يقاومها ويقلل من شأنها في أحاديثه، عبر وصفها بأنها موضة أو أنها مجرد أدوات لا أكثر، وغير ذلك!
وها هي الأيام تدرج، وتثبت تلك الموضة والأدوات، بأنها أكثر بكثير من مجرد موضة وأدوات، وتثبت الحالة الإعلامية في المقابل بأن الناس ما عادوا يتحدثون، ولا يذكرون ما كتبه ذلك الكاتب الكبير في زاويته ولا ذلك المفكر المعروف في عموده، كما كان يحصل في السابق، ما لم يكن لهذه الزاوية أو لذلك العمود وصل بطريقة من الطرق الذكية بوسائل الإعلام الحديثة على شبكة الإنترنت وعلى شبكات الهواتف الذكية.
هذا المقال ليس دعوة انقلابية على الإعلام القديم وأدواته وأهله، أو تقليل من قدر أحد منهم بعينه، بل لهم كل الاحترام بما قدموه ولا يزالون يقدمونه، إنما هو تقييم ووصف لوضع شاهدته في ذلك المؤتمر ولا أزال أشاهده بنفسي، كقارئ ومشاهد ومتابع يومي لوسائل الإعلام، قبل أن أكون إعلاميا محترفا يمارس العمل الإعلامي منذ عقد من الزمن، وهي دعوة صادقة أيضا لضرورة أن يقوم أهل الإعلام القديم ممن نجل ونقدر ونحترم بربط جسورهم بوسائل الإعلام الجديدة، حتى يدخلوا في قاطرة الزمن المتجهة إلى المستقبل، فإن لم يفعلوا فسيجدوا أنفسهم خلال سنوات قليلة خارج كل الحسابات الإعلامية حتما!