يوسف الكويليت

لا توجد علاقة بين الدول، تحكمها العواطف وحدها، رغم وجود روابط دينية أو قومية، غير أن المصالح تبرز كحلقة الربط باعتبارها الأساس في عقد الاتفاقات والصفقات، والإخوة في تركيا لديهم ما سموه صدمة بسبب عدم توقيع اتفاقية تجارية مع دول الخليج العربي، وهي نتيجة طبيعية إذا ما عرفنا أن القطاع الخاص هو صاحب المصلحة الأكبر، والذي يرهن مباحثاته مع أي طرف إقليمي وعالمي، إلى الدراسات والتحليلات والعطاءات ذات الجودة العالمية، ونحن نعرف أن الوضع المالي العالمي الذي يمر بضائقة كبيرة ترك الشركات بدون تشغيلٍ لطاقاتها العليا، ما جعلها تبحث عن منافذ في دول أخرى لم تتعرض لنفس الأزمة مثل دول الخليج العربي..

فالموارد الكبيرة لدول الخليج العربي، والتي ظلت عوائدها من النفط المرتكز الأساسي في دخولها، أغرى شركات عالمية لأنْ تبحث عن فرصها في المنطقة، وبالتأكيد فدول أوروبا وأمريكا، وكذلك الدول الآسيوية، سعت لأن تحصل على عدة مشاريع من المعروضة داخل الدول الخليجية، وتركيا تملك مقومات للإنشاءات العمرانية والمصانع بمعنى أنها مقبولة تماماً إذا استطاعت أن تقدم عطاءات مغرية تتساوى مع غيرها..

صحيحٌ أن هناك إجراءات إدارية لم تحل مثل إعطاء ترخيصات دخول رجال الأعمال laquo;الفيزاraquo; لكنها ليست العقدة الصعبة طالما التفاهم عليها يمكن أن يتم بين الإدارات والسفارات، وقد عشنا الأزمة مع دول العالم بعد أحداث 11 سبتمبر لكن المصاعب أمكن التغلب عليها، وفي حال المبادلات التجارية والاقتصادية يجري رسوّ المشاريع وفق المفاضلة، وهو ما تجريه تركيا سواء بالاستثمار الداخلي أو الخارجي، باعتباره قانوناً يسري على الدول وقطاعاتها الخاصة..

هناك زواج منفعة بين السياسة، والاقتصاد، لكنه غير ثابت إذ غالباً ما يفسخ هذا العقد لأي سبب، لكن مواقف تركيا الجديدة قوبلت عربياً بالترحيب الحار، أولًا لوزنها الكبير في المنافسات العالمية، وقد تكون مرتكز عمل مشترك مع العرب ومع العالم الإسلامي بكليّته، والنوايا بين كل الأطراف قائمة على التوافق، وثانياً أنها قوة سياسية مرموقة، ومواقفها لا تخضع لاعتبارات التبعية التي كانت سائدة حتى إن خلافاتها مع فرنسا، أو إسرائيل، وحتى ، في السابق مع أمريكا أثناء غزو العراق، تحمل شهادة من عالمها الإسلامي بأنها عائدة لتكون مركز ثقل يوازن بين السياسات والمواقف.

الإدراك الواعي بين دول الخليج وتركيا، لا يجد في الخلاف أزمة حادة يمكن أن تعطل مشاريع واتفاقات على أعلى المستويات، إذ بتنشيط الحوارات الجادة، كسرُ الكثير من العوائق، لكن بنظرةٍ موضوعية طالما الرغبة موجودة..

لقد انتهى وضع دول في قائمة صغرى أو كبرى، وفقاً لما كان سائداً في تقويم القوى المهيمنة، بل لعل بروز دول قائمة، مثل دول الخليج وتركيا والبرازيل وغيرها، يثبت أن دعائم الاقتصاد العالمي لها العديد من المرتكزات بما فيها الاقتصادات الناشئة..