دويل ماكمانوس

كان العام المنصرم سيئاً بالنسبة لأشرار العالم، فخلاله لقي ثلاثة من أكبر هؤلاء نهايتهم المحتومة حيث قتل بن لادن على أيدي القوات الخاصة الأميركية في الفيلا التي كان يختبئ بها في باكستان في مايو الماضي، وقتل القذافي على أيدي المتمردين الذين قبضوا عليه (بمساعدة ضربة جوية من الناتو) في أكتوبر وكيم يونج إيل حاكم كوريا الشمالية الذي توفي في السابع عشر من ديسمبر بسبب إصابته بنوبة قلبية كما قيل في الأنباء.

من بين الثلاثة كان quot;بن لادنquot; هو الأكثر أهمية في نظر الأميركيين الذي يتذكرونه باعتباره الرجل الذي خطط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وإنْ كان إنجازه الأكبر من وجهة نظري ووجهة نظر الكثيرين هو تنظيمه لـquot;القاعدةquot;، وهي حركة ينتمي أعضاؤها لجنسيات مختلفة كان هدفها هو تركيز العنف ليس على القضايا المحلية - كما تفعل العديد من الحركات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم - وإنما على الولايات المتحدة البعيدة الواقعة وراء المحيطات. وهذا النمط من التفكير سوف يضمن له مكانة مؤكدة في التاريخ. لذلك كان من الإنصاف أن يقول رجل مثلquot;مايكل شويدرquot; خبير السي.آي.إيه السابق في الكتاب الذي ألفه عن سيرة بن لادن: إن ذلك الرجل كان له تأثير على الطريقة التي ينظر بها الأميركيون إلى مجتمعهم، وحكومتهم، وأمنهم يفوق تأثير أي شخص آخر على هذه الأشياء خلال الخمسين عاماً الماضية على أقل تقديرquot;.


ولكن عندما تمكنت قوات النخبة في البحرية الأميركية في نهاية المطاف من اللحاق ببن لادن وقتله كانت الهجمات الأميركية التي لا تتوقف على التنظيم قد نجحت في تقليصquot;نواته الصلبةquot; إلى عدد محدود فقط من الأفراد الذين يمكن اعتبارهم quot;أهداف عالية القيمةquot; معظمهم في حالة اختباء. صحيح أن التنظيم نجح في مواصلة عملياته من خلال الانقسام إلى منظمات فرعية انتشرت في العديد من البلدان، وكثفت عملياتها على وجه الخصوص في اليمن والصومال وشمال أفريقيا. ولكن تلك المنظمات الفرعية سرعان ما انخرطت في الأمور السياسية الداخلية لكل بلد من البلدان التي تواجدت فيها وفقدت بالتالي تركيزها السابق على شن هجمات على أهداف تابعة للولايات المتحدة. وقد أزعج هذا التطور مؤسس التنظيم الذي أرسل العديد من الرسائل إلى قادة تلك الفروع يحثهم فيها على العودة مجدداً لقتل الأميركيين. واختفاء بن لادن عن المسرح لا يعني أن quot;القاعدةquot; قد انتهى ولكن ما لاشك فيه أنه بات يمثل تهديداً أصغر وأقل شأناً بكثير مما كان عليه من قبل.
الثاني من الطغاة الذين اختفوا من حياتنا عام 2011 هو القذافي الذي اشتهر في آخر حياته بملابسه المسرحية الملونة، وإعجابه بكوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة أكثر مما اشتهر بكونه تهديداً للأمن العالمي. ولكن القذافي كان يوماً واحداً من كبار الإرهابيين في العالم، فهو المحرض عام 1988 على تفجير طائرةquot; بان أميركانquot; فوق بلدة لوكيربي الأسكتلندية، مما أسفر عن مصرع جميع ركاب وطاقم الرحلة رقم 103 الذين كانوا على متنها.

وقد لقي القذافي نهايته المستحقة بسبب اتجاه أكبر وهو موجة الحماس الثوري الذي اجتاح العالم العربي وجعل الليبيين يشاهدون حاكمين مستبدين في دولتين مجاورتين هما تونس ومصر ويقررون أنه بمقدورهم هم أيضاً تغيير واقعهم. واستلزم الأمر من الليبيين- بمساعدة كبيرة من الناتو- ستة أشهر للاستيلاء على العاصمة طرابلس وشهرين إضافيين للقبض على القذافي الذي كانت نهايته قبيحة وبشعة حيث تعرض كما يبدو للتعذيب على أيدي آسريه من المتمردين قبل أن يطلقوا عليه النار ويردونه قتيلاً في نهاية المطاف.

على النقيض من ذلك، مات الزعيم الكوري الشمالي دون عنف بعد أن ظل لمدة 16 عاماً يحكم دولته الشيوعية المعزولة الفقيرة حكماً ديكتاتورياًً أدى إلى تدمير اقتصادها، وإن كان قد تمكن من حمايتها من أي تهديد خارجي بواسطة أسلحته النووية وتحالفه مع الصين المجاورة.

إذا استخدمنا أدق معيار يمكن به قياس أداء الأنظمة السلطوية، وهو القدرة على المحافظة على الدولة، فإنه يمكننا اعتبار فترة حكمquot;كيمquot; ناجحة. وقد مرر quot;كيمquot; السلطة لنجله quot;كيم جونج أونquot; البالغ من العمر 28 عاماً، والذي سيحكم بمساعدة من عمته وعمه وعدد من الجنرالات المسنين. لقد كانت وفاة quot;كيمquot; طبيعية ولكنها قدمت أيضاً تحذيراً على طريقتها وهو: إن أفضل الأنظمة الديكتاتورية تنظيماً وإدارة لا بد أن تخضع في النهاية للأحكام البيولوجية. يعني هذا أن النظام الكوري الشمالي لن يستطيع البقاء على قيد الحياة لفترة أطول مما يستطيعه قائده.

هل بقي هناك طغاة نكرههم ونخاف منهم؟ للأسف ما زال هناك مثل هؤلاء الطغاة. فبالنسبة لكوريا الشمالية لا يبدو أن كيم يونج إيل يمثل نسخة محسنة من كيم جونج إيل. وفي روسيا هناك بوتين المصمم على تحويل بلاده إلى نسخة محدّثة مما كانت عليه في الأيام الخوالي سيئة الذكر. ولكن هؤلاء يقرأون نعي من سبقوهم من الطغاة للعالم الآخر ويعرفون أنهم لن يعيشوا للأبد، وأنهم إذا لم يستخدموا أوراقهم جيداً فإن نهايتهم ستكون تعيسة. ومما لا شك فيه أن الطغاة والمستبدين خلال 2012 سيحظون بفترات نوم أقل هدوءاً من تلك التي حظوا بها العام المنصرم وهو ما يمثل في حد ذاته خبراً طيباً.