صالح القلاب


اتهام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي عاد من زيارته الأخيرة لواشنطن كأنه شارب حليب السباع، للذين وجهوا قبل أيام رسالة تحذير إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن بينهم طارق الهاشمي والنجيفي والعيسوي، وأيضاً إياد علاوي، بأن الأوضاع في العراق ذاهبة إلى الحرب الأهلية والصراع الطائفي، إن بقيت الأمور في بغداد تسير على هذا النحو، بأنهم بهذه الرسالة يستدعون تدخلاً خارجياً في شؤون بلادهم، مضحكٌ حتى الاستلقاء على الظهرhellip; وشر البلية ما يضحك!. فالأخ ldquo;جوادrdquo; يعرف ويدرك أنه لو لم يكن هناك تدخل أميركي ودولي في شؤون العراق الداخلية، وبالجيوش الجرارة في عام 2003، لكان ldquo;أبوعديrdquo; لا يزال في عاصمة الرشيد، ولا تزال، إذا ldquo;تنحنحrdquo; ولو نحنحة خفيفة، فرائصه ترتجف، مع فرائص كل الذين كانوا يقيمون معه في دمشق والذين كان نضالهم في سبيل دعوتهم يقتصر على سماع الأخبار والذهاب في يوم الجمعة إلى مقام السيدة زينب للتبرك به، والدعاء إلى الله أن يخلصهم من هذا الحجاج الجديد، الذي دأب على قطاف الرؤوس العراقية حتى قبل أن تينع وتنضج! كان كل الذين يسعون إلى إسقاط نظام صدام حسين، من خارج الدائرة العراقية، يعرفون أن كل أطراف المعارضة الداخلية قد وصلت إلى الإفلاس في مواجهة قمعٍ واستبدادٍ آسيوي لا مثيل له، حتى في دمشق، التي كان يقيم فيها الأخ ldquo;جوادrdquo; لاجئاً يعيش بطالةَ اللاجئين السياسيين القاتلة في العواصم التي تخضع مواقفها واستضافتها لمثل هؤلاء للأمزجة المتقلبة، ولهذا فإن هؤلاء قد وصلوا إلى قناعة، وبخاصة بعد احتلال الكويت بالطريقة الهمجية والعدوانية المعروفة، بأنه من غير الممكن التخلص من هذا الوحش البشري ونظامه، الذي ارتكب من الفظائع أكثر من كل ما ارتكبه عتاة التاريخ ودكتاتوريوه، إلا بالقوة العسكرية الكاسحة، ومن خلال الجيوش الجرارة والتدخل الخارجي. إن هذه ليست مشكلة إذا أخذنا بالمثل القائل: ldquo;ما أجبرك على المُر غير الذي أمر منه!rdquo; ثم إن هناك قاعدة فقهية تقول: ldquo;الضرورات تبيح المحظوراتrdquo;، ويقيناً فإن مسؤولية هذا التدخل والغزو الخارجي لا يتحملها، أمام الله وأمام التاريخ وأمام الأجيال الصاعدة من الشعب العراقي والأمة العربية، إلا صدام حسين نفسه، فالأحمق هو الذي يستدرج الدب إلى كرمه، والمصاب بكل ما في هذا الكون من عقد نفسية هو الذي يتصرف إزاء شعبه وإزاء دول الجوار وشعوبها كأنه وحده في الكرة الأرضية، وهو الذي يأتي بكل هذه الجيوش الغازية إلى بلاده، والذي لا بد أن ينتهي هذه النهاية المأساوية والمزرية. إن هذا لا نقاش فيه ولا خلاف عليه، ولكن الخلاف على تناسي الأخ ldquo;جوادrdquo; أنه عاد إلى بغداد على ظهر دبابة أميركية، وأنه أصبح في هذا الموقع الذي يحتله ببركات هذا الغزو والتدخل الخارجي الذي يقول فيه الآن أكثر مما قاله مالك في الخمر، وبترتيبات بول بريمر لا غيره، ولكنه مع ذلك يتهم الذين بعثوا إلى باراك أوباما، صاحب الجيوش الأميركية التي انسحب معظمها قبل أيام، والتي لا تزال لها بقايا في العراق، برسالة يحذرون فيها من حرب أهلية لا محالة إذا بقي رئيس الوزراء سيد المنطقة الخضراء في بغداد يتصرف بنزق طائفي غير مسبوق، ويستهدف رموز الطائفة السُّنية التي تستهدفها إيران ليس الآن فقط، بل منذ عهد إسماعيل الصفوي والدولة البويهية. عندما يبادر نوري المالكي، بمجرد أن وطئت أقدامه أرض العراق، بعد رحلته الميمونة الأخيرة إلى واشنطن، إلى استهداف طارق الهاشمي وصالح المطلك ووضعهما وغيرهما من الاتجاه ذاته على قائمة الشطب السياسي توطئةً لتحوله إلى صدام حسين آخر، ولكن بطريقة مذهبية وطائفية مقلوبة، فإنه في حقيقة الأمر أراد التخلص من المعادلة السياسية التي تلت الانتخابات التشريعية الأخيرة، كما أنه يريد إنهاء تيار ldquo;العراقيةrdquo; الذي يقوده هذا الشخص الوطني، البعيد عن الطائفية بُعد الأرض عن السماء إياد علاوي، وهذا كله يعني دفع العراق دفعاً نحو الحرب الأهلية التي هي كارثة كبرى، والتي لا يستفيد منها إلا نظام الولي الفقيه في طهران، الذي يعتمر العمامة الشيعية الشريفة، بينما تستبد بكل ما يقوم به، وبخاصة تجاه دول الخليج العربي والعراق، نزعةٌ فارسية متخلفة أقدامها في القرن الحادي والعشرين، ورأسها وقلبها هناك في ldquo;بروسبوليسrdquo; وعند أقدام خرافات أمجاد قورش المتوارثة.