محمد خلفان الصوافي

شهدت القمة الخليجية الأخيرة مفاجأة وصفها الكثيرون بالرائعة. فقد دعا العاهل السعودي دول quot;مجلس التعاونquot; إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وتم تشكيل هيئة متخصصة لدراسة الدعوة على أن تقدم مقترحاتها في مارس المقبل. إنها المفاجأة الثانية التي أدهشت العديد من المراقبين في ما يخص العمل الخليجي، بينما كانت الأولى قبل أقل من عام عندما دعا المجلس لضم كل من الأردن والمغرب.

استنتج بعض المراقبين في المفاجأتين أن الموقف السياسي الخليجي منقسم بين مؤيد ومتحفظ حول ما طرح، وأن لكل منهما أسبابه المقنعة في ذلك. المؤيدون يبررون تطوير المجلس أو تحويله إلى اتحاد من منطلق أن التطورات التي وقعت مؤخراً أوضحت أن هناك من يريد بهذه الدول الشر، وهذا صحيح. ويرون أيضاً أن كل فعل سياسي لابد أن يتطور وينمو مثل الإنسان وبالتالي لابد من الانتقال بالعمل الخليجي، بعد مرور أكثر من 30 عاماً، من التعاون، أي الصيغة غير الملزمة للأعضاء، إلى الاتحاد الكونفدرالي كرابطة اندماج أقوى وأكثر إلزاماً. أما المتحفظون فيعتقدون أن العمل الخليجي لم يتعد بعد الشكليات والاتفاقات الشكلية بل إن القرارات الاستراتيجية كثيراً ما كانت سبباً في بث الخلافات بين دوله ما يعني أن الأمر لا زال مبكراً على الانتقال نحو الاتحاد. فالقرارات يتم تبنيها بطريقة توافقية وليس من باب الإحساس بالخطر عندما يتعلق الأمر بالتهديدات الإقليمية. وحتى الآن لم يتم الاتفاق على موقف موحد إزاء تلك التهديدات، ومن منظور خليجي واحد، بل كثيرا ما يتم رهن القرار السياسي الخليجي بعدم إزعاج إيران.

وسط هذين الرأيين فإن ما تعودنا عليه من دولنا الخليجية أنها لا تتخذ قراراً دون أن تتم دراسته بتمعن، فالقرارات الاستراتيجية تكون بشكل معمق وتأخذ وقتها من التفحص والتدقيق، ولعل العملة الخليجية الموحدة خير دليل. وبما أنه ثمة وقت لدراسة المبادرة، فلابد من الاستفادة من التجارب الحاصلة على الأرض وإدراك ما يتم فيها.

الاتحاد الأوروبي حالياً يدرس مسألة إخراج اليونان من الاتحاد الأوروبي بعدما فشلت في الالتزام ببنود الاتحاد. لو طبقنا هذه المقارنة على أحد القرارات السياسية في دول التعاون، يمكن أن تطرح في مجلسنا مسألة إخراج أحد أعضائه لأنه لم يلتزم بقرارات العضوية. ومن التجارب الأخرى التي يجب أن لا يغفلها من يدرس المبادرة، quot;التكتيكاتquot; المتبعة في تشكيل تحالفات وقتية من أجل إنجاز استراتيجية معينة وقد فعلتها الولايات المتحدة في أكثر من قضية، في العراق وليبيا وأفغانستان.

لاشك أننا كخليجيين نحتاج إلى علاقات أوثق، وإلى تفعيل سياسي أقوى على الأقل في الوقت الحاضر. والحديث المتداول عن الاندماج الكامل يجب أن لا ينسينا أن هناك تبايناً خليجياً ورؤى مختلفة في العديد من الملفات والقضايا الرئيسية. التحالفات ليست ميزة تمنح بقدر ما هي حاجة تفرض نفسها على الدول من أجل إيجاد تجمع يستوعب الآراء والاتجاهات المختلفة.

لا داعي للتذكير بأنه من المهم أن لا تكون هاتان المفاجئتان ناتجتين عن كونهما ردة فعل لما يحدث في المنطقة من تطورات خطيرة، نعم خطيرة، لكن نحتاج للتعامل معها وفق تفعيل quot;العمل الخليجيquot; بالشكل الذي يوحي بأننا أمام خطر حقيقي. اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية ربما يعيق سرعة التحرك، إذ قد تصعب مراجعتها لاحقاً إذا ما تم اكتشاف مشكلة.

خبرة العمل الخليجي تؤكد لنا أنها تقوم على quot;الخجلquot; أكثر من الوضوح السياسي.