خيرالله خيرالله

هل من امل في مصالحة فلسطينية- فلسطينية؟ الامل قائم بتحقيق تقدّم ما يمكن تسميته تعايشا بعدما اقتنع الطرفان، اي quot;فتحquot; وquot;حماسquot; بانّ عليهما التوصل الى اتفاق فحواه ان هناك اسساً جديدة للعلاقة بينهما. تقوم هذه الاسس على مبدأ الطلاق بين الضفة الغربية وقطاع غزة. الضفة الغربية لـquot;فتحquot; وغزّة لـquot;حماسquot;. كلّ ما عدا ذلك مضيعة للوقت لا اكثر.
ستبقى quot;فتحquot;، الى اشعار آخر، مهيمنة على السلطة الوطنية الفلسطينية. وستبقى السلطة الوطنية المرجع الاخير في الضفة الغربية. وستظلّ quot;حماسquot; متحكمة بقطاع غزة... الى ان تحصل معجزة. ونظراً الى ان زمن المعجزات ولّى وان الجهاز الامني التابع لـquot;حماسquot; قادر على السيطرة على الوضع في القطاع والقضاء على فوضى السلاح فيه، لن يكون جديد في غزة في المدى القريب.
صارت لدى quot;حماسquot; مصلحة في القضاء على فوضى السلاح نظرا الى انها تحولت الى سلطة فعلية ولم تعد لديها اي نية في الانقلاب على احد. لم تعد الصواريخ المضحكة- المبكية قادرة على تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر لا فارق. صار اطلاق الصواريخ quot;خيانةquot; وصار السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـquot;حماسquot; يعترف بانّ غزة quot;محررةquot; منذ العام 2005 وبأنّ لا بدّ من الاكتفاء بالسيطرة عليها في الوقت الراهن. هذا على الاقل، ما يستدلّ من حديثه الاخير الى احدى الفضائيات العربية.
اكثر من ذلك، صار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة السيّد اسماعيل هنية مرحبّا به في القاهرة وبات في استطاعته القيام بجولة عربية من اجل quot;اعادة اعمار غزةquot;، علما انه لم تكن من حاجة الى افتعال اي نوع من الحروب انطلاقا منها، ما دام الطفل الصغير يعرف سلفا نتيجة اي عدوان يمكن ان تشنّه اسرائيل على القطاع ومدى حجم الدمار الذي يمكن ان يلحق به!
المهمّ ان quot;حماسquot; اقتنعت اخيرا بان غزة quot;محررةquot; وان ليس في الامكان تحرير فلسطين انطلاقا من القطاع. تستطيع في المقابل الكلام عن quot;مقاومةquot; وquot;ممانعةquot; الى يوم المقاومة والممانعة. مثل هذا الكلام لا يقدّم ولا يؤخر. كلّ ما هو مطلوب ان تكون غزّة تحت سيطرتها. صارت السيطرة على غزة هدفا بحدّ ذاته نظرا الى ان اي استهداف لها يمكن ان يحرج مصر.
لم تعد quot;حماسquot; في وارد احراج مصر لا من قريب ولا من بعيد. في الماضي، كانت تفعل ذلك في اطار حسابات اقليمية تصبّ في خدمة المحور الايراني- السوري. خرجت quot;حماسquot; اخيرا من تحت الهيمنة السورية. الاخوان المسلمون في القاهرة، اقرب اليها بكثير من النظام السوري الذي يواجه الاخوان في عقر داره. امّا ايران، فكلّ همها محصور حاليا في تفادي اي زعاج للاخوان المسلمين في مصر نظراً الى وجود علاقات تقيمها مع قسم منهم. تنظر ايران الى علاقتها بـquot;حماسquot; من خلال مصر. لم تعد في وارد استخدام quot;حماسquot; للاساءة الى مصر كما كانت تفعل في الماضي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
يمكن الحديث عن مصالحة فلسطينية فلسطينية وعن استمرار المفاوضات بين الجانبين وعن اعادة ترتيب اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل قيادة جديدة للمنظمة. مثل هذا الكلام جميل. الواقع شيء آخر. هناك تعايش بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; في ظل اقتناع السلطة الوطنية الفلسطينية بانّ اسرائيل لا تريد مفاوضات حقيقية ولا تريد دولة فلسطينية quot;قابلة للحياةquot;. في المقابل بدأت quot;حماسquot; تؤمن بانّ عليها اعادة ترتيب اوضاعها انطلاقاً من غزة، كي تلعب الدور المطلوب ان تلعبه في اطار التمدد الاسلامي في المنطقة. الاكيد ان التخلص من الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية آخر هموم quot;حماسquot;. الاولوية الآن للتنسيق بين الاخوان المسلمين في المنطقة العربية وصولاً الى تركيا.
في مثل هذه الحال، وفي ظلّ الظروف الراهنة، ليس امام السلطة الوطنية سوى متابعة بناء مؤسسات الدولة تحت اشراف حكومة الدكتور سلام فيّاض بغض النظر عما تريده اسرائيل. في النهاية، لو كانت quot;حماسquot; تمتلك رغبة جدّية في المصالحة، لكان اوّل ما فعلته اعلان قبولها بالمشروع الوطني الفلسطيني، اي البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اقرّه المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988 في الجزائر. هذا البرنامج توّج نضالات عسكرية وسياسية يزيد عمرها على خمسة وسبعين عاما، اي منذ الاضراب الفلسطيني في العام 1936 من القرن الماضي. لا يمكن لـquot;حماسquot; وغير quot;حماسquot; اختراع جديد في السنة 2011. كل ما يستطيع الفلسطينيون عمله هو الصمود خلف مشروعهم الوطني الذي تستهدفه اسرائيل الراغبة في تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس.
نعم، الخيارات الفلسطينية محدودة، لكن التعايش بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; ووقف حملات التخوين المتبادلة يظلّان افضل من لا شيء وذلك في انتظار اليوم الذي تكتشف فيه اسرائيل ان لا مفرّ من الدولة الفلسطينية. ستكتشف ايضا ان ليس في استطاعتها، مهما فعلت، التخلص من الشعب الفلسطيني الذي هو حقيقة لا يمكن لاحد تجاهلها مهما بلغت به درجة الغباء والجهل. فالفلسطينيون احد عشر مليونا في مختلف انحاء العالم تجمع بينهم فلسطين. وفي السنة 2015 سيتساوى عدد الاسرائيليين والفلسطينيين في ارض فلسطين التاريخية. هذا واقع لا يمكن لاسرائيل الهرب منه على غرار هرب quot;حماسquot; من متطلبات المصالحة الحقيقية التي تفرض اوّل ما تفرض الاعتراف بانّ التخلص من الاحتلال اهمّ بكثير من تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني...