سركيس نعوم

السلفيون المصريون، يقول الاسلاميون العرب واللبنانيون انفسهم، كان معظمهم quot;إخواناًquot;. هم الآن يعيشون على التطرف في المظهر والممارسة. الجماعة الاسلامية التي quot;قتلتquot; الرئيس أنور السادات كان يقال لعناصرها في السجون قبل الافراج عنهم: لا تذهبوا إلى quot;الاخوانquot;، فذهبوا الى السلفيين. وكانوا في البداية صوفيين لا علاقة لهم بالسياسة. لكنهم بعد ذلك تحولوا غطاء للنظام المصري. وتحولوا الى السياسة بعد اطاحته، وصاروا يسعون كي يكون لهم دور مهم في مصر. أما في تونس، فإن الاسلاميين الذين بدأوا يصلون الى السلطة، لن يلغوا التجربة المدنية في بلادهم. لكنهم يريدون ان يحكموا في النظام الجديد. وقد بدأوا ذلك عملياً. وفي المغرب يريد الاسلاميون ان يحكموا ايضاً، وقد بدأوا ذلك بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي اعقبتها انتخابات تشريعية. وفي ليبيا لم يستطع عبد الجليل، وهو رئيس quot;المجلس الانتقاليquot;، الا ان يقول بدولة تسير بالتشريع الاسلامي. يبقى quot;اخوانquot; مصر وهم لا يريدون الحكم المباشر على ما سلف في quot;الموقفquot; امس على الاقل في المرحلة الراهنة.
ماذا عن quot;اخوانquot; ليبيا واسلامييها؟ يجيب الاسلاميون العرب واللبنانيون انفسهم عن ذلك بالقول ان زعيمها الراحل معمر القذافي لم يكن ضد الاسلاميين. لا بل قال لهم بعد مشاورات واجتماعات: اشتغلوا خارج ليبيا وانا ادعمكم. اقترح عليهم تأسيس quot;جيش الدعوة الاسلاميةquot; وقدّم لهم الدعم المتنوع في الخارج. في التسعينات من القرن الماضي، يضيف هؤلاء، يئس القذافي من اليسار والقومية العربية، وبدأ البحث مع الاسلاميين في وضع دستور اسلامي لليبيا. لكنه بعد مدة أنهى مبادرته. quot;اخوانquot; ليبيا هاجروا بعد ذلك الى الخارج بعد الذي تعرضوا له على يد القذافي. وهم يعودون الآن اليها. وقاموا بتنظيم انفسهم وبدأوا يتولون منذ انتصار الثورة مراكز مرموقة فيquot; السلطةquot;. وهم يعملون بلا كلل لمنع حصول صراع داخلي، وسينجحون في ذلك.
ماذا عن اسلاميي تونس؟ أجاب الاسلاميون العرب واللبنانيون انفسهم ان راشد الغنوشي مؤسس اكبر حزب اسلامي (quot;اخوانيquot;) في تونس هاجر الى باريس ثم الى لندن وعاش فيهما سنوات. وكان ذلك بعد خروجه من سجن تونسي امضى فيه اربع سنوات. وهو يتكلم الفرنسية بطلاقة. وفي السجن تعلم الانكليزية وصار قادراً على التحادث بها كما على الخطابة والحوار. منذ اسابيع قليلة زار الغنوشي واشنطن، وليست عنده مشكلة في الحوار مع اميركا. اما وضع quot;الاخوانquot; في مصر فمختلف. ففي مطلع الخمسينات وبعد نجاح quot;ثورة يوليوquot; 1952 طلب زعيمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من quot;الاخوانquot; الحوار مع quot;هيئة قنال السويسquot; الانكليزية او التابعة لبريطانيا. وفي اعقاب ظروف معينة اتهمهم بالتعامل أو بالعمالة للانكليز. ودفعهم ذلك الى الحذر في التعاطي مع كل القوى الغربية والاستعمارية والدول الكبرى. ماذا عن التجربة الاسلامية في السودان؟ هذه التجربة التي بدأها معا الرئيس عمر البشير والدكتور الترابي زعيم احد ابرز الأحزاب الاسلامية في هذه البلاد، يجيب الاسلاميون انفسهم، لم تكن مشجعة. البشير فشل في اقامة دولة اسلامية أو دولة مدنية ذات مرجعية اسلامية. والأسباب كثيرة قد يكون أبرزها الصراع على السلطة مع حلفائه. وهو يحاول الآن التعاون مع حزب quot;الأمة العريقquot; الذي أسسه آل المهدي ولا يزالون زعماء له وquot;الحزب الاتحاديquot; بزعامة آل الميرغني التوصل الى صيغة سلطة او حكم يعيد الاستقرار الى السودان وتؤسس فعلاً اسلامية ما لنظامه. طبعاً لم تنجح محاولته هذه بالكامل، اذ اخفق في تأليف حكومة وحدة وطنية، لكنه استعاض عنها بتعيين أبناء زعيمي الحزبين المذكورين مستشارين له. لقد حاول الرئيس السوداني البشير التوسط في الأزمة السورية الناشبة منذ 15 آذار الماضي. أرسل وزير العدل في حكومته الى دمشق وقابل الرئيس بشار الاسد، لكنه لم ينجح لأن الرئيس السوري قال له صراحة انه quot;لا يستطيع ان يفعل شيئاًquot; ربما بسبب محيطه.
في النهاية، يقول الاسلاميون العرب واللبنانيون انفسهم، ان السلفيين المصريين غير موجودين في المدن وانهم في المناطق التي ستجري فيها المرحلتان الاخيرتان من الانتخابات التشريعية لن يحققوا النجاح. ويقولون ايضاً ان شعبية quot;حزب اللهquot; في العالمين العربي والاسلامي التي كانت كبيرة وتجاوزت المذهبية، قد بدأت تضعف. فالمسلمون والاسلاميون كانوا يتبركون به في مؤتمراتهم، لكنهم في آخر مؤتمر عقدوه في السودان لم يدعوا أحداً من وفد quot;الحزبquot; المشارك فيه الى الخطابة.